اسم الکتاب : السلفيون وقضية فلسطين في واقعنا المعاصر المؤلف : آل سلمان، مشهور الجزء : 1 صفحة : 90
ب- أسماء ترددت كثيراً في الكتاب:
1- علي سرور الزّنكلوني، من علماء مصر، وسكّانها، ومن الحريصين على السنة، ونشرها، والإفتاء بها [1] .
2- محمود خطاب السبكي، مؤسس جمعية أنصار السنة المحمدية [2] .
3- عبد الله الجزار، قاضي عكا ومفتيها، شيخ خُزَيران [3] .
* موضوع الكتاب والباعث على تأليفه
كتابنا هذا هو رد على كتاب الشيخ محمد صبحي خُزيران -قاضي عكا- المسمى: «فصل الخطاب في الرد على الزنكلوني والقسام ... والقصَّاب» ، ألفه انتصاراً لأُستاذه الشيخ عبد الله الجزار، إذ قد أفتى أحد المؤلِّفَيْن (4)
(القصاب أو [1] لا تلتفت لما ذكره أحمد الغماري في رسائله «دَرُّ الغمام الرقيق» (ص 187) عنه! فهو من كلام الأقران، الذي يطوى ولا يروى. [2] ستأتي ترجمته (ص 24) . [3] ستأتي ترجمته (ص 146، 149) .
(4) لم يفصحا عن اسمه، وكان المجيب أحدهما، والموجود في «النقد والبيان» (ص4) لم ينص على واحدٍ منهما، والظاهر أن المراد القسام؛ لأنه منذ تولّى أمرَ تعليم الناس في المدارس والمساجد، أخذ على نفسه تقويم ما اعوجَّ من أمر المسلمين، وأن يُرجعهم إلى الإسلام المُصَفَّى الخالي من الزيادات والبدع؛ لأنّ انكباب الناس على هذه البدع أدّى إلى انشغالهم عن الأصول الإسلامية، وأدّى إلى فساد حال المسلمين وضعفهم، وكان عزُّ الدين القسَّام، منذ هاجر إلى فلسطين، قد نوى إعداد الأمة لمرحلة جهادٍ قادمة، منطلقاً من الإسلام، ورأى أن يبدأ أولاً بمرحلة الدعوة والتعليم، لتربية جيل مؤمن بربّه، متمسك بسُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ يحارب البدع والخرافات، ويستلُّها واحدةً واحدةً ... ويدعو الناسَ إلى نبذ البدعة، إذا عرف وجودها، ويجيب عن أسئلة الناس بما يوافق القرآنَ والسُّنَّةَ، وما اتفق عليه أعلامُ العلماء السابقون، ومن هنا بدأ الصراع بين أنصار البدع والتقاليد الدينية، وبين المذهب السلفي الذي اتّبعه القسَّام.
وأخذ صوتُ الخلاف يعلو في قضية تشييع الجنائز، فقد جرت العادة أن يرفعَ الناسُ أصواتهم بالتهليل والتكبير أثناء السير بالجنازة، وربما وُجِدَ أناسٌ مستأجَرون يقومون بهذه الوظيفة، إذا كان الميّت من وجهاء الناس وأغنيائهم.
وكان القسَّام يُفتي بأنَّ رفع الصوت بالتكبير أثناء السير في الجنازة مكروهٌ كراهةً تحريميةً، وصار له تلاميذ كثيرون، يأخذون برأيه، وينفِّذون موكب الجنازة كما جاء في السُّنَّة النبوية.
وحدثت يوماً مُشادَّة بين أحد أنصار القسَّام وبين آخرين أثناء السير بجنازة أحد الموتى، وكتبت جريدة (اليرموك) آنذاك في افتتاحية (العدد 64) الصادر يوم الخميس في 21/شوال/1343هـ - 14/أيار/1925م، تتهم الشيخ القسام بأنه السبب فيما حدث من خلاف في المدينة، وانقسام الناس، وكتب رئيس تحرير الجريدة (كمال عباس) مقالاً بعنوان: (يتمسكون بالقشور (أ) ، ويتركون اللباب، فتنة نائمة وواجب العقلاء) هاجم فيه القسَّام، واتّهمه بالسعي وراء المناصب والشهرة، وأنه أفتى بحرمة رَفْع الصوت في الجنازة، ليظهرَ أمام الملأ بمظهر العلماء، الذين يحاربون البدع. وهذه صورة ما كتب موقعاً بـ (ابن عباس) :
«في حيفا اليوم حركة غير مباركة، بل فتنة نائمة يوقظها جماعة ممن يتمسكون بالقشور دون اللباب، ويتظاهرون بالإصلاح الديني والاجتماعي، ليتبوأوا مركزاً علمياً اجتماعياً ليسوا من أهله، ولو تدبروا لتحققوا أن المراكز العالية في الهيئة الاجتماعية لا تنال إلا بالعلم الصحيح، والإخلاص الفياض، والعقل الراجح.
تلك الفتنة هي التصدي لتحليل وتحريم بعض المندوب والمستحب والمباح في الشرع الإسلامي؛ كزيارة أضرحة الأنبياء والأولياء، والتهليل والتكبير في تشييع الجنائز، وهلم جراً، مما شطر الناس شطرين، وجعلهم حزبين، يتربص كل فريق بأخيه الدوائر، ونشأ عن ذلك قيل وقال، أدى إلى المناظرة، فالمشاتمة، فالمضاربة، وخيف على الاتحاد الذي ننشده في هذه الأيام العصيبة، ونحمل بعض أثره من أن تتقطع أوصاله، ونصبح شيعاً مستضعفين، تتناوبنا المصائب من كل جانب، ونحن عن حاضرنا ومستقبلنا لاهون.
لا أحب أن أدخل عباب الموضوع من وجهتي التحريم والإباحة؛ لأن كل مناظر يستند بقوله على رأي إمام أو قطب، وإنما أحب أن ألم بالموضوع من وجهة دينية اجتماعية، لعل البحث يهدينا إلى الحقيقة التي غابت عن المدعين بالإصلاح الديني، فأقول:
لا خلاف في أن الحديث الشريف: «كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا=
-------------------------
(أ) انظر عن هذه الكلمة ما سيأتي في التعليق (ص 200) .
= فزوروها؛ فإنها تذكر بالآخرة» صحيح، ويستنتج من قول صاحب الشريعة السمحاء - صلى الله عليه وسلم - أنه نهاهم عن زيارة القبور بادئ بدء؛ لأن الناس يومئذ كانوا قريبي عهد بالوثنية، ثم لما أنس منهم قوة الإيمان بالله أمرهم بزيارتها، أما التهليل والتكبير في الجنازة وفي غيرها، فهما من الأمور المباحة إن لم نقل المستحبة، فالعمل بها لا يترتب عليه مضرة، بل يحدث خشوعاً في قلوب المشيعين، كما أن تركه لا يستدعي اللوم.
أما وقد علم هذا؛ فلماذا يتصدى بعض المتعممين -ومن لفَّ حولهم- للناس في عاداتهم التي درجوا عليها، واتبعوا في بعضها السنة السمحاء، ويحدثون شغباً في البلد نحن في غنى عنه ولا طاقة لنا به؟! أَلِيَظهروا أمام الملأ بمظهر العلماء الذين يحاربون البدع، أم ليؤثّروا على البسطاء (أ) بسفسطاتهم ليتبوؤوا مقعداً من الزعامة الفارغة، أم أن علمهم وإدراكهم أوصلهم إلى هذا الحد؟ إن كان هذا مبلغهم من العلم والإدراك، فليتركوا الحكمة إلى أهلها؛ لئلا يهينوها، وإن كانوا يقصدون محاربة البدع، ففي الهيئة الاجتماعية من الكبائر ما يأثم العالم عن التغاضي عنها، بل هناك من أركان الإسلام الخمسة؛ كالزكاة، التي لا تعرف واحداً في الألف يؤديها حق أداءها، وكفريضة الصلاة والصوم، التي يهملها كثير من المسلمين، فلماذا لا تقوم جماعة تحريم التهليل والتكبير وزيارة القبور بوعظ الناس، وحضهم على أداء الفرائض، بدل نهيهم عن أمر ليس فيه غير التوحيد والعمل لسنة رسول الله، فهل غفلوا عن قوله -تعالى-: {اذكروا الله} إلى آخر الآية، وتصاموا عن الحديث: «كنت نهيتكم» ؟ رحماك اللهم بهذه الأمة، التي يتمسك بعض المتعممين فيها بالقشور ويتركون اللباب، تنزه الدين عما به يلصقون.
حسبنا أيها القوم هذا الذهول والتخاذل، فإننا في وقت لا يسع الجدل الفارغ والاختلاف على ما لا يفيد ولا يضر شيئاً.
تتنافس الشعوب الغربية بالعلم والاختراع وبالصناعة، وتنهمك حكوماتها بإعداد القوة لاستعباد الشعوب الضعيفة، واكتساح بلادها، والاستيلاء على مرافقها، ونتلهى بالقشور دون اللباب، فنعرض عن العلم ونهمل استثمار الأرض التي أمرنا النبي الأعظم باستثمارها بقوله: «التمسوا الرزق من خبايا الأرض» (ب) ، ونستخف بشأن الصناعة، ولكن لا تفوتنا المجادلات الفارغة، التي هي مضيعة للوقت مضعفة للأمم. ... =
-------------------------
(أ) انظر حوله ما سيأتي في التعليق على (ص 26) .
(ب) الحديث ضعيف. انظر: «السلسلة الضعيفة» (2489) ، «ضعيف الجامع» (1150) ، «كنز العمال» (4/21 رقم 9302، 9303) .
=اتركوكم أيها القوم من الأخذ والرد في مسألة زيارة القبور، فإن الأحياء أولى بالعناية والاهتمام، واتركوا الموحدين والمكبرين في التشييع يوحدون ويكبرون، فإن ذلك لا يفيد الأمة شيئاً، والتفتوا إلى جمع شملها وإعداد القوة لرد غارات الطامعين، فذلك خير وأبقى» .
فكتب الشيخ القسَّام مقالاً بعنوان: (بيان حقيقة) ، وأرسله إلى الجريدة فلم تنشره، فأرسله إلى جريدة (الكرمل) (أ) في حيفا فنشرتْه في (ص 2) بتاريخ 6/6/1925م، وهذه صورة ما في المقال:
«بعثت بهذه الرسالة إلى جريدة «اليرموك» ، فلم تشأ أن تنشرها، ولذا أرجو من وطنية صاحب «الكرمل» الغيور أن يتفضل بنشرها في جريدته.
بعد التحية، فإني أريد كشف القناع عن حقيقة المسألة التي جعلتموها موضوع افتتاحية العدد «64» من جريدتكم الصادرة في 21/شوال/1343هـ، فالرجاء نشر مقالي هذا على صفحات «اليرموك» في أول عدد ينشر، عملاً بحق الصحافة، وحفظاً لحياتنا الدينية والاجتماعية وتلاعب الأهواء والأعراض، ما كان ينبغي لحضرتكم أن تعتمدوا فيما ذكرتموه في مقالكم على أهواء المرجفين من غير تثبت ولا تروٍّ، فهل يعقل أن مسلماً ينهى الناس عن ذكر الله -تعالى- أو تكبيره، أو عن فعل ما أباحه الشرع الشريف من زيارة أضرحة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والأولياء -رضي الله عنهم-، وتشييع الجنائز على الوجه المشروع، بل كان يجب عليكم أن تلاحظوا أن من نسب إليهم ذلك القول، لا يخفى عليهم ما حل وحرم وما ينبغي مما يتعلق في الموضوع، وأنه لا يعقل أن يتوسلوا بِمثل تلك الأمور، ليتبوؤوا مركز الزعامة الفارغة، خصوصاً إذا كان الحال يؤدي إلى إيقاظ فتنة نائمة، ولولا تسرعكم في تصديق من أنهوا إليكم المسألة على خلاف وجهها، لما طوحتم بقلمكم وجريدتكم في تلك المهاوي السحيقة، من التعريض بأعراض المخلصين الصادقين.
أما حكمكم في المسائل الدينية وتقدير الرجال، فكان غيركم أولى به؛ لأنّ قلمكم لم يأخذ بقسط من العلوم الشرعية، يدرك ذلك من مقالكم من شمّ رائحةَ العلم، وكان الأجدر بكم أن تدعوا الكتابة في مثل هذه المواضيع لأربابها، وتقتصروا في الكتابة على ما خصكم الله به، إن من تدعونهم إلى وعظ الناس وحضهم على أداء الفرائض ... إلخ. لم يألوا جهداً في تنبيه الأمة حيثما حلوا وارتحلوا إلى التمسك بأركان الدين، وبيان مزاياه=
-------------------------
(أ) كان صاحبها نجيب نصار، وهو أحد المعادين -آنذاك- لليهود.
= النافعة، وأنها من الهمم إلى توخي ربط عرى التآخي والاعتناء بالعلوم على اختلاف أنواعها والصنائع المفيدة واستثمار خبايا الأرض، وأكبر دليل على هذه: اشتغالهم بما يعود على الأمة بالنفع العظيم، مع إعراض عن المناصب والرتب التي يعيش أربابها على أكتاف الأمة، ويودون بثروتها من غير فائدة تعود منهم على البلاد، ولو أرادوا كما ذكرتم أن يتبوؤوا مركزاً علمياً اجتماعياً ليسوا من أهله، لجاروا العوامَّ وسايروهم كما فعل غيرهم.
أما مسألة تشييع الجنائز بالتهليل، والدعاء برفع الصوت والضجة المعلومة، وزيارة ضرائح الأنبياء والأولياء ومقاماتهم بالكيفية المعروفة، من التمسح والتملس بالقبور وارتكاب الآثام، واختلاط الرجال بالنساء على وجه التهتك والإسراف في الأموال في غير طرقها الحيوية والدينية، والاشتغال بذلك عن الضروريات، فالحكم فيه يعلمه صبيان المكاتب فضلاً عن العلماء، وهو بدعة منكرة في جميع مذاهب المسلمين، لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا الخلفاء الراشدون، ولا الصحابة والتابعون، ولا الأئمة المجتهدون -رضوان الله عليهم أجمعين-، بل كانت جنائزهم على التزام الأدب والسكون والخشوع، حتى إن صاحب المصيبة كان لا يعرف من بينهم لكثرة حزن الجميع، وما أخذهم من القلق والانزعاج بسبب الفكرة فيما هم إليه صائرون وعليه قادمون، ولم يعهد الاستلام في الإسلام إلا للحجر الأسود والركن اليماني خاصة.
ويكفينا دليلاً على ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، واجعلوا زيارتكم لها صلاة عليهم واستغفاراً لهم» ، وقول ابن عمر وابن مسعود -رضي الله عنهما- لمن قال في الجنازة: واستغفروا لأخيكم -يعني: الميت-: «لا غفر الله لك» ! ولا يقول بإباحة ذلك إلا مبتدع في الدين، أما بوادر الفتنة التي ذكرتموها في الصحيفة الثانية من العدد نفسه، فالحق فيها أن الانتفاعيين من كسالى الأمة، الذين اتخذوا ذكر الله -تعالى- وقراءة القرآن الكريم على القبور تجارة لهم، هم الذين كانوا من حين إلى آخر يرجفون في المدينة، ويشيعون بين الطبقات الأكاذيب الملفقة ضد رجال الإصلاح، وساعدهم على ذلك بعض أرباب الأهواء، معتمدين في أقوالهم على من لا يتقي الله في دينه وسنة نبيه، فحصل بسبب ذلك تأثر في نفوس بعض المتهوسين، أدى بهم إلى الشغب الذي آسف الجميع، وكنت -كما يعلم الله- أشد الناس أسفاً على ما حصل، وبهذا يعلم من هو الذي يسعى لإيقاظ الفتنة النائمة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأي مناسبة بين حادث فجائي -إن لم يكن أمر قد دبر بليل- وبين منعي من الخطبة والتدريس، اللهم إلا حاجة في= =نفس يعقوب قضاها، ولئن كان الذين هرعوا إلى دار فضيلة مفتي الثغر هم الذين حملوه على منعي من الخطبة والتدريس، فما بال الذين هرولوا وذهبوا إلى داره وطلبوا إليه بإلحاح منع من أجر داره مقراً للتبشير وتنصير المسلمين عن الخطابة والتدريس، لئلا يكون وصمة عار على المسلمين لم يؤبه لكلامهم، على أنه لا يبعد أن يكون هذا الأمر من القشور لا من اللباب، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} .
إنّ البدع صغيرها وكبيرها، من أعظم الأضرار على هذه الأمة، وأنى لِمَن لَم يتحلَّ بالسنن ولم يتجنب الرذائل أن يتصف بالفضائل، وكنت أرجو أن تكونوا أول مقاومٍ لمن يخالف السنة ويباين الشرع؛ إذ كنتم من الشبان المتنورين ومن رجال الصحافة، وعليهم وحدهم تثقيف الأمة وتهذيبها، وتسيير خطاها إلى المثل الأعلى الذي نبتغيه، هدانا الله جميعاً إلى سواء السبيل» .
وقد اتّضح لمن قرأ المقالة يومئذٍ أن الذين أثاروا المشكلة هم بعض المتنفِّعين الذين اتّخذوا ذِكْرَ الله -تعالى- وقراءة القرآن على القبور تجارةً لهم ... وهم الذين أثاروا الضجة بسبب فتوى يحرِّم فيها القسَّام أخذَ الأجرة على قراءة القرآن عند المقابر، وساعدهم على التحريض: مَنْ أرادوا الحدَّ من نفوذه ومكانته عند الناس، ومَنْعَه من الخطابة والتدريس في جامع الاستقلال.
ويبدو أنَّ قصة الخلاف في (الصياح في التهليل والتكبير ... أمام الجنائز) شغلت أهلَ الرأي في المدينة، وانقسمَ الناسُ حولها إلى مؤيِّد ومعارض، وكادَتْ أن تؤدي إلى فتنة، وخاض فيها مَنْ يعرف، ومَنْ لا يعرف، وليس في المدينة عُلَماءُ يَحكُمُون في المسألة، فأراد الحاج عبد الواحد الحسن -نائب رئيس (الجمعية الخيرية) بِحيفا- أن يضع حدّاً للخلاف، وأن يرفعَ الأمر إلى علماء محايدين، من خارج الإقليم، ليدلوا بدلوهم في المسألة، فكتب السؤال التالي: «ما قولُ أهل العلم الحقّ في الصياح في التهليل والتكبير وغيره أمام الجنائز؟ أفتونا أثابكم الله» .
وقدَّم السؤال إلى الشيخين (القسّام والقصاب) لاتفاقهما في الرأي، فأجابا بأنَّ ذلك مكروهٌ تحريماً، وبدعة قبيحة ... مع الأدلة من السُّنَّة الصحيحة ... مع الدعوة إلى إزالة هذه البدعة. وأُرْسِلَتْ هذه الفتوى إلى الشيخ عبد الله الجزّار مُفتي عكّا، وسُئل عن رأيه في ذلك ... فنقل عن بعض العلماء أنه لا بأس بفعل ذلك في أيامنا. =
= وأرسل المستفتي -وهو: الحاج عبد الواحد الحسن- صورة الفتويين إلى الشيخ محمود محمد خطّاب السبكي، والشيخ علي سرور الزنكلوني، من كبار علماء الأزهر.
فجاءت فتوى الشيخين موافقةً لما قاله القسَّامُ والقصاب ... ونشر الشيخ الزنكلوني فتواه على صفحات جريدة (الشورى) التي كانت تصدر في مصر ... وهذا الذي جعل خُزيران يضمُّ الزنكلوني إلى القسَّام والقصاب في عنوان رسالته، التي ألَّفها بعنوان (فصل الخطاب في الردِّ على الزنكلوني والقسَّام والقصاب) ؛ انتصاراً لأستاذه عبد الله الجزار مفتي عكّا.
وقد تناول خزيران في رسالته موضوع (الصياح في التهليل والتكبير أمام الجنائز) وموضوعات أخرى مما نُقل عن القسَّام، وعارض فتوى القسَّام والقصاب، وأتى بالأدلة التي رأى أنها مدعِّمة رأيه، وجمع الزنكلوني مع القسَّام والقصاب في عنوان الرسالة؛ لأنه أيَّد، أو وافق القسامَ على فتواه.
عندئذٍ؛ قام القسَّام، أو القسَّام والقصَّاب بتأليف هذه الرسالة، وفنَّدا فيها أقوال خزيران التي وردت في رسالته.
انظر: «الوعي والثورة، دراسة في حياة وجهاد الشهيد عز الدين القسام» (ص 68-69) ، «عز الدين القسام» لشرَّاب (ص 176-179) .
اسم الکتاب : السلفيون وقضية فلسطين في واقعنا المعاصر المؤلف : آل سلمان، مشهور الجزء : 1 صفحة : 90