اسم الکتاب : السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم المؤلف : السخاوي، شمس الدين الجزء : 1 صفحة : 75
من السَّيل إلى منتهاه» [1] .
= عن نظره إلى أوصافه بعين التعظيم والاتكال عليها وهو - صلى الله عليه وسلم - وإن دعاه إلى عملٍ لفقر يوم الحساب وعمله صفته، فإن دعاه إليه جداً اجتهاداً فقد دعاه عنه اتكالاً عليه وسكوناً إليه، ويدل على أنه أراد به فقر يوم القيامة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أعد للفقر تجفافاً» والتجفاف إنما يكون لرد الشيء، والحول بينه وبينك، وفقر الدنيا لمن أحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جائزة من الله وعطاءً، وعطاء الله وجائزته لا ترد، فدلّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أعد للفقر تجفافاً» ؛ أي: لفقر يوم القيامة ليصرفه عنك، أو يجوز أن يريد الفقر الذي هو قِلّة المال، والضر وعدم المرافق، وهو الفقر المعروف، ويكون معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فأعد للفقر تجفافاً» ؛ أي: تجفافاً تصونه به، وتدفع عنه ما يقدح فيه من الجذع فيه، والنكرة له، والتشوق لمرادته، فإن الفقر جائزة الله لمن أحبني، وخلعته عليه، وبره به، وإكرامه له، وتحفته إياه، وجزيل الثواب منه على جليل قدر هذه الصفة عنده، وذلك أن الفقر زيّ أنبيائه، وحلية أوليائه، وزينة المؤمنين، وشعار الصالحين، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - يقول له: إن هذا كائنٌ من الله -عز وجل- فاستعد لقبوله، والاستقبال له، والاستعداد لدفع ما يقدح فيه من الصبر فيه، والشكر عليه، والصون له، والدفع عنه تعظيماً له، وإجلالاً لقدره، فكأنه
-عليه الصلاة والسلام- وإن ذكر الفقر من بين جميع المكاره، فإنه لم يرد به خصوص الفقر الذي هو عدم الإملاك، ولكنه أراد جميع المكاره وأنواع المحن والبلايا» . قال:
«فالمراد من الفقر: المكاره والبلايا من أي وجه كان، وليس ذلك خصوص الفقر، ولكنه لما كان من عظيم المكاره وجليل البلايا؛ عبَّر عن البلاء والمكروه به، والدليل عليه أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأجلّة منهم والكبار لم يكونوا مخصوصين بالفقر وعدم الإملاك، ولم يكونوا مجانبين من البلايا العظام والمكاره الشداد» . ومثَّل على ذلك بقوله:
«وقتل عمر، وحوصر عثمان أربعين يوماً، وذبح، ولقي علي -رضي الله عنه- ما لقي، وكأنه كان مخصوصاً بالبلاء مراداً به أكثر عمره، ولقيت عائشة -رضي الله عنها- ما لقيت بالجمل، وطلحة والزبير -رضي الله عنهما قتلا، وتوفي أبو ذر بالربذة وحيداً فريداً، وعمران بن حصين أُضنى على سرير منقوب ثلاثين سنة، وخبّاب مرض مرضاً طالت مدته فيها حتى اكتوى سبعاً في بطنه، وكذلك عامة أصحابه - صلى الله عليه وسلم - لقوا من البلايا والشدائد أنواعاً، وهؤلاء هم المخصوصون بشدة المحبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبتلوا كلهم بالفقر خاصة، ولكن بأنواع البلايا» . [1] أخرجه الترمذي (2350) -ومن طريقه الكلاباذي في «معاني الأخبار» (ص 84) -، وابن حبان (2922) ، وابن جرير في «تهذيب الآثار» (1/283 رقم 475-ط. شاكر) ، والبيهقي في «الشعب» (1471- ط. دار الكتب العلمية أو 1398-ط. الهندية) ، والبغوي (14/268) ، والكلاباذي في «معاني الأخبار» (ص 87) ، من طريق شداد أبي طلحة الراسبي، عن أبي الوازع، عن عبد الله بن مغفل، وقال =
اسم الکتاب : السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم المؤلف : السخاوي، شمس الدين الجزء : 1 صفحة : 75