responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم المؤلف : السخاوي، شمس الدين    الجزء : 1  صفحة : 116
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أعجب باقتنائه فقال: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ. نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55-56] ، وقال -تعالى-: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدثر: 11] .
فحق الإنسان أن يعد المقتنيات الدنيوية آلات موضوعة في خان سفر يصلح للانتفاع بها ما دام نازلاً في ذلك الخان، فيتناول منها مقدار البلغة، ويتسلى عنها عند الرحلة، ويستهجن لنفسه أن يكذب ويغضب ويحزن ويرتكب القبائح في سببها.
واعلم أن الناض الذي هو العين والورق حجر، جعله الله -سبحانه- سبباً للتعامل به كما تقدم آنفاً وخادماً كما ذكرناه، فقبيح بالحر المتوشح لنيل الفضائل والاقتداء بالبارئ جل ثناؤه، والوصول إلى الغنى الأكبر: أن يتهافت على المال بأكثر مما يحتاج إليه، ويجعل نفسه أقل رقيق له وأخسه، كما قيل:
فرق ذوي الأطماع رق مخلد
ويكون معكفاً منه على حجر يعبده قال -تعالى-: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [الأعراف: 138] ، وأرى أن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لما سأل الله -تعالى- فقال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام} [إبراهيم: 35] لم يرد إلا أن يحرسه وذريته عن الأعراض الدنيوية الصارفة عن الله، فمثله
-عليه الصلاة والسلام- وأولاده يتنزه أن يشفق من اعتقاد في حجر هو صانعه ويستحق عبادته، وقال في موضع آخر إشارة إلى ما يعم هذا المعنى وغيره: {يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً} [مريم: 42] ، وقال بعض الحكماء: مثل الإنسان وشغفه بهذه الأعراض الدنيوية كراكب في سفينة إلى أفضل بلد، فانتهى إلى جزيرة ذات أسود وأساود، فأمروا بالخروج والتهيء للطهارة، وأن يكونوا على حذر، فرأوا حجراً مزبرجاً مزيناً فشغفوا به، وتباعدوا عن المركب ونسوا مقصودهم ومركبهم، وبقوا لاهين حتى سارت السفينة، فثارت عليهم الأسود والأساود، فلم يغن عنهم حجرهم، فصاروا كما قال
-تعالى- عمن هذه حاله: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ. هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 28-29] .
وقد تقدم أن المال من الخيرات المتوسطة؛ لأنه كما قد يكون سبباً للشر يكون سبباً للخير، لكن لما كان في أكثر الأحوال يوجب كرامة أصحابه، وتعظيم أربابه، حتى صدق الشاعر في قوله:
الناس أعداء لكل مدقع ... صفر اليدين وإخوة للمكثر
وحتى قيل: رأيت ذا المال مهيباً. قال - صلى الله عليه وسلم -: «نِعم المال الصالح للرجل الصالح» ، واستصوب قول طلحة -رضي الله عنه- في دعائه: اللهم ارزقنا مجداً ومالاً، فلا يصلح المجد إلا بالمال، ولا يصلح المال إلا بمراعاة المجد. وقال بعض الحكماء: اطلبوا العلم والمال بحق الرئاسة، فالناس خاص وعام، فالخاص يفضلك بما تحسن، والعام بما تملك، واكتسابه من الوجه الذي ينبغي صعب، وتفريقه سهل، كما قال الشاعر: =
اسم الکتاب : السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم المؤلف : السخاوي، شمس الدين    الجزء : 1  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست