اسم الکتاب : الحكم بقطع يد السارق في الشريعة الإسلامية المؤلف : الكبيسي، أحمد عبيد الجزء : 1 صفحة : 29
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم[1]: "فلما تفاوتت مراتب الجنايات، ولم يكن بد من تفاوت مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وكلوا إلى عقولهم في معرفة ذلك وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنسا ووصفا وقدرا لذهبت بهم الآراء كل مذهب، وتشعبت بهم الطرق كل مشعب، ولعظم الاختلاف واشتد الخطب. فكفاهم أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين مؤونة ذلك، وأزال عنهم كلفته، وتولى بحكمته وعلمه وقدرته ورحمته تقديره نوعا وقدرا. ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة، وما يليق بها من النكال". [1] انظر: إعلام الموقعين [2]/66 حكمة الشدة في عقوبة السرقة:
من الواضح أن الشارع الحكيم لا حظ في عقوبة السرقة أن تكون شديدة قاسية[2]. إذ أن قطع يد السارق بربع دينار عقوبة شديدة تنخلع لها القلوب. وقد كان هذه الشدة مرتكزا للمغرضين – على مدى الأيام – في نيلهم من الشريعة الإسلامية. ومن حسنت نيته منهم: كان مرددا لأصداء ما يقال عنها، دون نظر سديد في موجبات هذه الشدة. والحكمة فيها واضحة جلية.
فإنه لما كان الإسلام معنيا بتوفير الحياة الكريمة والعيش المطمئن لكل الناس. كان لا بد من حماية الفضيلة بالقضاء على الرذيلة والفساد، وكل ما من شأنه أن يدنس واجهة الجماعة التي أراد لها الإسلام: أن تكون نقية ناصعة. والغاية السليمة تبرر الوسيلة الحازمة ولو كانت شديدة قاسية. لأن القسوة ليست شرا في كل أحوالها. فإن من لا يراعي مصلحة الآخرين، ليس له أن يطمع في أن تراعى مصلحته ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الشرع[3]. لأن في الرحمة بالجاني – حينئذ – قسوة على المجتمع. والعدل كل العدل في أن يعاقب من يستحق العذاب وليس أجدر بالعقاب، من ذلك النوع من المجرمين الذين تقتضي طبيعة جرائمهم أن تتم في الخفاء – كالسرقة – لما في خفائها من رهبة شديدة في [2] انظر: الموافقات للشاطبي 1/237 [3] انظر القواعد للعز بن عبد السلام 2/88
اسم الکتاب : الحكم بقطع يد السارق في الشريعة الإسلامية المؤلف : الكبيسي، أحمد عبيد الجزء : 1 صفحة : 29