إن هذه المسألة ما كان ينبغي أن تختلف فيها أفهام الفقهاء والعلماء، إذ المعلوم في الشريعة أن التكاليف كلها شرطُها البلوغُ، فمن بَلَغ كُلِّف ومن لم يبلغ لم يُكلَّف، فإن جاء الشرع وأمر من هو دون البلوغ بالقيام بفعل، أو جاء يأمر وليَّ الصبي بحمل الصبي على القيام بفعل، فإنما هو من باب التمرين عليه فحسب كما يقول الشافعي، ولا يجب على الصبي القيام به قطعاً، وإن كان يُثاب على فعله هو ووليُّ أمره، ومن ذلك الصيام. فولي أمر الصبي يأمر صبيَّه بالصيام ويحثُّه عليه دون أن يصل الأمر والحث إلى حد الإكراه والإجبار، فإن امتثل الصبي للأمر فبها ونعمت، وإن رفض فلا شيء عليه ولا على وليِّه.
…أما متى يبدأ الطلب من الصبي أن يصوم؟ فإن الشرع لم يحدِّد سناً معينة لذلك كما فعل بخصوص الصلاة، ولا يصح القياس في العبادات، فلا يقاس الصيام على الصلاة، وتبقى السنُّ عامة غير مخصَّصة ومطلقة غير مقيَّدة، والأمر كله راجع لتقدير أولياء الأمور وصحَّة الصبيان وقُدُراتهم البدنية.
…وقد مرَّ حديث الرُّبيِّع بنت معوِّذ رضي الله عنها قالت {أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداةَ عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فلْيتمَّ يومه، ومن أصبح صائماً فلْيصم، قالت: فكنا نصومه بعد ونُصوِّم صبيانَنا، ونجعل لهم اللعبةَ من العِهْنِ فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك، حتى يكون عند الإفطار} رواه البخاري (1960) ومسلم وابن حِبَّان وابن خُزيمة والبيهقي والطحاوي.