…أما لماذا لم يساو ربُّ العالمين بين الصلاة والصيام بخصوص الحائض والنُّفَساء؟ فالجواب عليه هو أن الصلاة عبادة وكذلك الصيام، والعبادات لا تعلَّل ولا تُلتمس لها عللٌ إلا إن وردت في النصوص فتُؤخذ عندئذٍ، وفي مسألتنا هذه لا توجد علَّةٌ لهذا التفريق، فنقول بالتفريق دون تعليل، ودون أن نأتي بعلَّة من عند أنفسنا، كمن يقول إن الصلاة عمل دائم في الليل والنهار وعلى مدى الحياة، فلو سقط التكليف بها بضعة أيام فإن ذلك لا يؤثر فيها، بخلاف الصوم الذي لا يأتي في العام إلا في رمضان، فإن نُفِست امرأة في أول الشهر فإنها لا تصوم سنتها كلَّها، وربما تكرر ذلك معها في أعوام قادمة فتُحْرَم من الصوم أعواماً عدة، ولذا أُمرت بقضاء الصيام ولم تؤمر بقضاء الصلاة لأجل ذلك، فهذا القول وهذا التعليل خطأ لا يجوز لفقيه ولا لغيره أن يقوله.
…والتفريق بين الصلاة والصيام، بخصوص الحائض والنُّفَساء، مُجمَعٌ عليه بين المسلمين،لم يخالفه إلا فرقة الخوارج الحَرُوريَّة، الذين يقولون بالتساوي في الحكم بين الصلاة والصيام، فيأمرون الحائض والنُّفَساء بقضاء الصلاة،كقضاء الصيام. وقد وردت في هذه المسألة الأحاديثُ التالية:
1- عن مُعاذة قالت {سألتُ عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أَحَروريةٌ أنتِ؟ قلت: لست بحَروريَّة ولكني أسأل؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنُؤْمَر بقضاء الصوم ولا نُؤْمَرُ بقضاء الصلاة} رواه مسلم (763) والبخاري وأبو داود والنَّسائي والترمذي. والحَروريَّةُ اسم يطلق على فرقة من الخوارج كانت قد ظهرت في قرية حَروراء قرب الكوفة بالعراق فنُسِبوا إليها.
2- عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم {أليس إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟ فذلك من نقصان دينها} رواه البخاري (1951) وابن خُزيمة.