والنقطة الثانية هي أن التعادل هنا قد حصل بين شيءٍ منصوصٍ عليه، وشيءٍ آخر غير منصوص عليه كما جاء في الحديث الثاني، فسمراء الشام، أو قل قمح الشام لم يُنصَّ عليه في أي حديث، وجاء هذا الحديث بمعادلته بشيء منصوص عليه هو التمر مما يدل على أن التعادل لا يجب أن يكون بين شيئين منصوص عليهما، بل إن التعادل لا يُتصور وجودُه في النصوص، ذلك أن النصوص إذا أرادت الشيئين ذكرتهما معاً بصيغة الواو أو بصيغة أو، فيكون الشيء المنصوص عليه مطلوباً بالنص، ولا يكون مطلوباً بتعادله مع غيره، فالتعادل إنما يكون بين شيئين أحدهما مذكور والآخر غير مذكور، أو يكون بين شيئين مذكورين أحدهما أفضل من الآخر، فيأتي التعادل مع التفاوت في المقدار، وما سوى هاتين الحالتين فلا يأتي ذِكْرُ التعادل.
…وقد فهم عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان قضية التعادل أو المعادلة بين شيئين أحدهما منصوص عليه والآخر غير منصوص عليه وعملا به، فأخذ الناس بذلك كما نطقت الآثار، والناس هنا هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مانع من مخالفة قلة من الصحابة لذلك الأمر كما حصل من أبي سعيد الخدري، إذ أن له ذلك شرعاً ذلك أن قضية التعادل لا تأتي على سبيل الإلزام ولا حتى على سبيل الندب وهي لا تعدو كونها مباحةً أو جائزةً فحسب، والمباح أو الجائز لا مانع من مخالفته وعدم أخذه، فالتعادل بين شيئين هو مباح وجائز. قال ابن المنذر: لا نعلم في القمح خبراً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يُعتمد عليه، ولم يكن البُرُّ بالمدينة في ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه، فلما كثر في زمن الصحابة رأَوْا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من الشعير وهم الأئمة ...