وغفر الله لهؤلاء، فقد استدلوا بالأحاديث التي جاءت بصيغة العموم، ولم يلتفتوا إلى تخصيص هذه الصيغة، والمعلوم بداهةً أن الخاص يُعمَل به، وأن العام يُحمل على الخاص، ففي الحديث الأول جاء التخصيص بقوله (من المسلمين) وفي الحديث الرابع جاء التخصيص بقوله (على كل مسلم ذكر أو أنثى، حرٍّ أو عبد) وهذا تخصيص ظاهر ظهور الشمس. فالعبد إن كان مسلماً وجبت عليه الزكاة، والأنثى كالزوجة مثلاً إن كانت مسلمة، وجبت عليها الزكاة، فيخرج العبد الكافر والأنثى الكافرة. ثم إن الزكاة عبادة، والعبادة لا تصحُّ من كافرٍ لأن شرطها الإسلام، وهذا ظاهر ومعلوم. وما قلناه هنا نقوله بخصوص الحديث الأول الذي رواه مسلم، فإنه يُحمَل على أن العبد هنا هو العبد المسلم حملاً للعام على الخاص.
…أما الحديث الثاني، فهو حجة قوية وواضحة لهم لو كان صحيحاً أو حسناً، ولكنه حديث لا يصح أخذه ولا العمل به، فالدارَقُطني راوي الحديث يقول [سلام الطويل متروك الحديث ولم يسنده غيره] وقال النَّسائي: متروك الحديث. وقال يحيى ابن معين: لا يكتب حديثه. وضعفه علي بن المَدِيني جداً. واعتبره ابن الجوزي من الموضوعات. فأين اجتهادهم هذا مما قلناه؟ وهل يصمد هذا الاجتهاد أمام الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفسٍ من المسلمين، حرٍّ أو عبدٍ، رجلٍ أو امرأةٍ، صغيٍر أو كبيٍر، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير} رواه مسلم (2282) وابن خُزيمة وابن حِبَّان والبيهقي والدارقطني. والحجة هنا دامغة.