قال ابن المنذر إن أهل العلم قد نُقل عنهم الإجماع على أن زكاة الفطر فرض. وهذا القول غير دقيق، وإنما الدقيق هو قول إسحق: إيجابُ الفطر كالإجماع. ذلك أنه قد نُقل عن متأخري أصحاب مالك وداود وبعض الشافعية القولُ إنها سُنة، وأوَّلوا ما ورد في الأحاديث من القول (فَرَضَ) بـ (قدَّر) على أصل معناه في اللغة، وقال الجمهور إن زكاة الفطر فرض.
والصحيح إن زكاة الفطر فرض، لأنها أولاً زكاةٌ كسائر الزَّكَوات، ولأنها ثانياً قد نُصَّ عليها بأنها فرض وإذا جاءت في النص كلمةُ (فَرَضَ) وجب أن تُصرف إلى معناها الشرعي وهو الواجب وليس إلى معناها اللغوي. فالحقائق الشرعية مقدَّمة على الحقائق اللغوية، وإن أيةَ لفظةٍ واردةٍ في النصوص ينبغي أن تُفسَّر بمعناها الشرعي أَولاً.
1- فعن ابن عمر رضي الله عنه قال {فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة} رواه البخاري (1503) ومسلم وأبو داود والنَّسائي والترمذي وابن ماجة والدارمي، باختلافٍ في الألفاظ.
2- وعنه رضي الله عنه قال {فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر – أو قال رمضان – على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ... } . رواه البخاري (1511) وأحمد وابن خُزيمة.
3- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال {فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرَةً للصائم من اللغو والرَّفَث وطُعْمَةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات} رواه أبو داود (1609) وابن ماجة والدارَقُطني. ورواه الحاكم (1/409) وصححه وأقره الذهبي قوله الرَّفَث هنا: يعني الفُحش في الكلام، قاله ابن الأثير.