وقد شرَّط الحنفية لصحة اعتكاف المرأة أن يكون في مسجد بيتها، وهو قولٌ يردُّه الحديث رقم 3. وقال أحمد في رواية عنه: إن لها الاعتكاف في المسجد مع زوجها، وهو قول لا يختلف فيه أحد، ولم يجيء بصيغة الشرط أي لم يجيء قوله: إن لها الاعتكاف في المسجد بشرط أن تكون مع زوجها، فإن كان القول مشروطاً فهو خطأ لا دليل عليه، إذ الحديث الثالث يردُّه أيضاً، فنساء الرسول صلى الله عليه وسلم قد ضربن لأنفسهن أخبية خاصة بهن، والحديث الأول يقول (ثم اعتكف أزواجه من بعده) بمعنى أنهن اعتكفن وحدهن بدون إِذن زوجهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الحديث الثاني فيدل منطوقُه على أن المستحاضة – وهي من يسيل دمها من فرجها بسبب مرض – يجوز لها الاعتكاف، ويلحقُ بها دائمُ الحدَث – أي من كان عنده سَلَسُ البول – ومن به جُرح يسيل، بشرط أن لا تُنجِّسَ هي أو يُنجِّسَ هو المسجد.
…وقد انقطع اعتكاف النساء في زمننا هذا أو كاد، فلم نعد نرى نساءً يعتكفن بل كاد اعتكاف الرجال ينقطع أيضاً في زمننا هذا، ولم نعد نشاهده بصورة ملموسة إلا في ليلة القدر المحتملة فحسب، اللهم إلا الاعتكاف القصير لمدة ساعة أو ساعات، أي المكث في المسجد بنية الاعتكاف، فهذا ما يستمر وقوعه لسهولته. وأقول إن المرأة إن كانت زوجة، أو كان لها أولاد صغار لا يتولى خدمة الزوج أو الأولاد إلا هي، فإن ترك الاعتكاف يتعين عليها ويصبح اعتكافها غير جائز، ذلك أنه إذا تعارض واجب مع مندوب وجب القيام بالواجب وتُرِك المندوب، ولا شك في أن القيام على خدمة الزوج والأولاد واجب على المرأة، فهو مقدَّم على الاعتكاف المندوب. الفصل الثاني عشر: زكاة الفطر