…وأما التفريعات المذكورة في ثنايا صدر البحث من حيث الحُرُّ والعبدُ والذكرُ والأنثى والغيومُ فلا محل لها هنا ولا دليل عليها. أما العبد فلم يعد له وجود فلا نُشغِلُ أنفسَنا به، وأما الذَّكَر والأنثى فإن العَدْل منهما تُقبل شهادته، فالعدالة في الإسلام لم تُعطَ للذكر فقط ولا للأنثى فقط، وإنما هما مشتركان فيها، وما جاء في النصوص من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين فإنما يُقصَر على الموضوعات الواردة فيه، ولا يُعمَّم.
مسألة:
المعلوم أن الدولة، أو الخليفة، أو من يُوكَّل، يستقبلون الذين يرون الأهلَّة، فيعمِّمون الأمر بالصيام أو بالإفطار على الناس، بعد التثبت من أقوالهم ومشاهداتهم، والسؤال هنا هو: إذا رأى هلالَ رمضان أو رأى هلالَ شوال شخصٌ، فشهد أمام الخليفة، أو من وُكِّل أنه رأى هلال رمضان، أو رأى هلال شوال، فلم يُقبَل قولُه، ورُدَّت شهادته، فهل يلزمه هو العملُ بما رآه فيصوم وحده ويفطر وحده، أم يلتزم بقرار الخليفة؟ وثمة حالة ثانية، هي أن يكون الرَّائي بعيداً عن الخليفة، أو عمَّن وُكِّل بالأمر، بحيث لا يتمكن من أداء الشهادة، فهل يلزمه العملُ برؤيته هو أم يلتزم بقرار الخليفة؟
…فذهب الأئمة الأربعة إلى وجوب الصوم على المنفرد برؤية هلال رمضان. واختلفوا في الإفطار برؤية هلال شوال وحده، فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى استمرار الصيام وعدم الإفطار برؤية هلال شوال وحده. وقالت الشافعية – وهو قولٌ للمالكية –: يلزمه الفِطرُ عملاً بقول الحديث (ولا تفطروا حتى تروه) ولكن يخفيه لئلا يُتَّهم. فأقول ما يلي، والله هو الموفق للصواب: