…والحديث في البند الثاني كالحديث في البند الثالث، كلاهما يفيد أن المعتكِف يُخرِج رأسَه من المسجد من أجل إِصلاحه وتمشيطه، وفي روايةٍ للبخاري (2031) {فأُغسِّله وأنا حائض} مما يدل كل ذلك على جواز الاغتسال للنظافة وإصلاح الهيئة بتمشيط وحُسْنِ هندام. والحديث الثالث واضح الدلالة على جواز الخروج لحاجة، وقد اتفقوا على أن الحاجة تعني هنا البول والغائط وشبههما. أما الحديث الرابع فهو يدل على استقبال المعتكِف لزواره ومحادثتِهم والمشيِ معهم لتوديعهم. فقوله (فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يَقْلِبُها) معناه أنه مشى معها في عودتها من عنده. أما الحديث الخامس الذي رواه أبو داود، ففيه ليث بن أبي سليم، ضعَّفه أحمد ويحيى بن سعيد وأبو حاتم وابن معين وابن المَديني وغيرهم فيترك. وأما الحديث السادس فهو دالٌ على جواز الخروج للحاجة، وقد فسَّرها ابن شهاب الزُّهري بالبول والغائط. قال ابن حجر: قد اتفقوا على استثنائهما واختلفوا في غيرهما. وأما الحديث السابع، فإن أبا داود بعد أن رواه قال [غير عبد الرحمن بن إسحق لا يقول فيه (قالت: السُّنَّة) قال أبو داود: جعله قول عائشة] وقال الدارَقُطني [إن السُّنَّة للمعتكِف إلى آخره، ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنه من كلام الزهري، ومَن أدرجه في الحديث فقد وهم، والله أعلم، وهشام بن سليمان لم يذكر هـ] فلا يعدو الحديث أن يكون من قول عائشة رضي الله عنها، وقول عائشة ليس دليلاً شرعياً حتى يتوجَّب الأخذُ به لا سيما وأن غيرها من الصحابة قد أفتَوْا بعكس قولها هذا، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه (4/500) عن علي رضي الله عنه قوله {إذا اعتكف الرجل فلْيشهدْ الجمعةَ ولْيَعُد المريضَ وليشهد الجنازةَ ولْيأت أهلَه ويأمرهم بالحاجة وهو قائم} وأقوال الصحابة إن اختلفت وتضاربت فإنها تدلُّ على أنها أفهامٌ لهم واجتهادات لا يجب علينا الأخذ بها