…أما في داخل المعتَكَف، أي في داخل المسجد، فقد اتفق معظم الفقهاء على أنه ليس للمعتكِف أن يتَّجرَ ويكتسب بالصنعة على الإطلاق. وقال الشافعي: لا بأس للمعتكِف بأن يبيع ويشتري ويخيط الثيابَ. ونقل ابن قدامة عن أحمد قوله: لا يبيع ولا يشتري إلا ما لا بد منه.
…والحق الذي ينبغي الذهاب إليه والقول به هو أن للمعتكف أن يخرج لحاجته التي لا بد له منها دون تحديدٍ، سواء شرَّط ذلك أم لم يشرِّط، ولا يفسد اعتكافه به. ولا حاجة بنا للدخول في سرد هذه الحاجات الضرورية الواجبة، فهي ليست ثابتة، وتختلف من شخص لآخر، ومن وقت لآخر، فلو خرج المعتكِف في يوم برد لإحضار مدفأة له، أو خرج في يوم حر لإحضار مروحةٍ له، فإن له ذلك ولا يقدح في اعتكافه وطبعاً يحق للمعتكِف بل يجب عليه أن يخرج لحضور صلاة الجمعة، ولا يبطل اعتكافه به، ولو جاءه خبر أن ابنه تعرَّض لحادث دهس ويحتاج للنقل إلى المستشفى، فإن له أن يخرج لذلك ولا يُبطِلُ ذلك اعتكَافَه، وهكذا ... أما الخروج من المسجد، دون حاجة ملحة فلا شك في أنه يُبطِل الاعتكاف.
وأما في داخل المسجد، فإن كل ما جاء النهي عن فعله فيه يُنهى المعتكِف عنه وما لا نهيَ عنه فيه فإن للمعتكِف أن يفعله، دون أن يؤثر ذلك في صحة اعتكافه، ونقول هذا القول أيضاً دون سردٍ للأفعال الجائزة، فهي أكثر من أن تحصى وتحدَّد في ورقة أو ورقتين. وهذه جُملة من النصوص المتعلقة بهذه المسألة:
1- قال تعالى { ... ولا تُباشروهُنَّ وأَنتم عاكفونَ في المساجدِ تلكَ حُدودُ اللهِ فلا تَقْرَبُوها كذلك يبينُ الله آياتِه للناسِ لعلَّهُمْ يَتَّقُونَ} من الآية 187 من سورة البقرة.
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت {كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصغي إليَّ رأسَه وهو مجاوِرٌ في المسجد، فأُرجِّلَه وأنا حائض} رواه البخاري (2028) وأبو داود وابن ماجة وأحمد باختلافٍ في الألفاظ.