…وأقول هنا ما يلي: إِ نَّ كلَّ ما سبق ينبغي أن لا يُفهَم منه أنَّ الاعتكاف لا يصح أن يبدأ إلا عقب صلاة الفجر أو قبيل الغروب، وإنما الاعتكاف كما يصحُّ أن يُبدأ به عقب صلاة الفجر أو قُبَيل غروب الشمس، فإنه يصح أن يُبدأ به في أي وقت من ليلٍ أو نهارٍ. أما ما سبق وناقشناه من أدلةٍ، فإنما ذلك من أجل الردِّ على أقوال الأئمة والفقهاء واستدلالاتهم لا غير، وإنَّ الوصول في المناقشةِ إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتكف عقب صلاة الفجر لا يدلُّ على أنَّ ذلك مُلزِمٌ أو أنه شرطٌ، إذ لا دليل ولا قرينة على أنَّ ذلك قد جاء على سبيل الإلزام والوجوب.
مدةُ الاعتكاف:
لقد اتفق الأئمةُ والفقهاء على أنه لا حدَّ لأكثر الاعتكاف، وإنما اختلفوا في أقلِّه: فذهبت الحنفية إلى أن أقلَّه يوم. وقالت المالكية: يوم وليلة. وقال الشافعي وأحمد وإسحق بن راهُويه: أقل ما يطلق عليه اسم لَبْث، ولا يُشترط القعود. وهذا الرأي الأخير هو الصحيح، وما سواه فتحكُّمٌ وتحديدٌ لا دليل من الشرع عليه، إِذْ لا يوجد أَيُّ نصٍّ يحدد مدةً للاعتكاف، لا كثرةً ولا قلةً، فيبقى الأمر على إِطلاقه دون أي تقييد.
…أما ما جاء في الأحاديث من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اعتكف عشراً من رمضان أو من شوال أو اعتكف عشرين، فهي لا تعدو كونها وقائع عين لا مفهوم لها ولا توجِبُ التزاماً، ولا تصلح للتقييد.