…أما الشبهة التي استند إليها بعض أصحاب مالك فهي قول مالك [فكَّرتُ في الاعتكاف وتركِ الصحابة له مع شدة اتِّباعهم للأثر، فوقع في نفسي أنه كالوصال، وأراهم تركوه لشدته] ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري، وقد بحثت عنه في الموطأ في مظانِّه فلم أجده، وهذه شبهة بالغة الضعف، ثم إن من يقرأ الموطأ يجد الإمام مالكاً ينص على أن الاعتكاف سُنَّةٌ في أكثر من عبارة ففي الجزء الأول في الصفحة (267) جاء ما يلي [قال مالك: لم أسمع أحداً من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطاً وإنما الاعتكاف عملٌ من الأعمال مثلُ الصلاة والصيام والحج، وما أشبه ذلك من الأعمال ما كان من ذلك فريضة أو نافلة، فمن دخل في شيء من ذلك فإنما يعمل بما مضى من السُّنَّة، وليس له أن يُحْدِث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه، وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف المسلمون سُنَّةَ الاعتكاف] فالاعتكاف سُنَّة، وهذه السُّنَّة تتأكد في العشر الأواخر من رمضان. أين يكونُ الاعتكاف؟ :
قد وردت في هذه المسألة أحاديث كثيرة، لا حاجة لاستعراضها كلِّها هنا، وحسبنا أن ننظر في عدد منها لأن فيها الغُنْيَةَ:
1- قال تعالى { ... ولا تُباشِروهنَّ وأنتم عاكِفون في المساجدِ تلك حدودُ اللهِ فلا تَقْرَبوها كذلك يبينُ اللهُ آياتهِ للناسِ لعلهم يتَّقون} من الآية 187 من سورة البقرة.
2- عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت {كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصغي إليَّ رأسَه وهو مجاورٌ في المسجد، فأُرجِّلَه وأنا حائض} رواه البخاري (2028) وأبو داود وابن ماجة وأحمد باختلافٍ في الألفاظ.