…وأما حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ففي رواته عبد الله بن الجهم، قال عنه أبو زُرعة: رأيته ولم أكتب عنه، وكان صدوقاً. وقال أبو حاتم: رأيته ولم أكتب عنه، وكان يتشيَّع. وفيهم أيضاً عمرو بن أبي قيس الرازي، قال الآجري عن أبي داود: في حديثه خطأ. وقال عثمان بن أبي شيبة: لا بأس به، كان يَهِمُ في الحديث قليلاً. فالحديث فيه لين وفيه ضعف فلا يصمد أبداً أمام الأحاديث الصحيحة ثم إن هذا الحديث لم يحدِّد ليلة القدر بليلة، وإنما جعلها تتردد بين ليلتي ثلاث وعشرين وسبع وعشرين.
…نخلص مما سبق إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم في البدء متى ليلة القدر، ثم إن الله العليم الحكيم قد أنساه إياها، وبقي الحال كذلك إلى وفاته عليه الصلاة والسلام، وما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعد يعلم وقتها، فإنه لا ينبغي لأحد من الصحابة ولا من غيرهم أن يحدِّد وقتها، وعلى جميع المسلمين علماءَ وغيرَ علماء أن يكتفوا بالتماسها وتحريها في العشر الأواخر أو في السبع الأواخر من رمضان في الوتر منها، فهي لا تعدو أن تكون إما ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، تماماً كما ورد في حديث أبي داود الطيالسي في البند الأول من مجموعة عبد الله بن عباس من طريق أبي بكرة بلفظ { ... لتاسعةٍ تبقى، أو سابعةٍ تبقى، أو خامسةٍ تبقى، أو ثالثةٍ تبقى، أو آخر ليلةٍ} .
الفصل الحادي عشر: الاعتكاف