وأقف عند هذه الأَمارة فأقول: إن الشمس آنذاك تشرق حمراءَ ضعيفةَ الشعاع كحالها عندما تتدلى للغروب، يسهل النظر إليها لأن أشعتها ضعيفة فلا تؤذي العيون، ولا بد من أنَّ ضعف شعاعها آنذاك آتٍ من حالة الجو، إما لكثرة رطوبةٍ، أو انتشارِ سُحُبٍ رقيقة أو ضبابٍ خفيف يحجب معظم أشعتها، يرسل الله سبحانه هذه الأشياء في ذلك الوقت لتكون حالةُ الشمس عندها أَمارةً على ليلة القدر، وإلا فإن الشمس في حقيقتها وطبيعتها ثابتة لا تتغير، بمعنى أن الشمس صبيحةَ تلك الليلة حالُها كحالِها صبيحةَ الأيام الأخرى من حيث طبيعتُها وشروقُها وشعاعُها، ولكن أشياءَ تطرأ على الحالة الجوية في تلك الليلة تُظهر الشمسَ بتلك الأوصاف الواردة، ولو كانت الشمس تخرج صبيحَةَ ليلةِ القدر على غير طبيعتها لأحسَّ بها الناس مسلمُهم وكافرُهم، ولكان في ذلك التحديدُ القطعيُّ لها، وهذا مناهِضٌ للواقع أولاً ومناهِضٌ للأحاديث الصحيحة الكثيرة التي أبهمت التعيين، كما سنتبين ذلك في البحث اللاحق بحول الله سبحانه.
…أما ما نجده مسطوراً في كتب الصوفية والعُبَّاد، وما يقول به بعض الفقهاء من معاينةِ ليلةِ القدر والتَّحقُّقِ منها، ورؤيةِ بابِ السماءِ يُفتَح فيها عياناً، وخروجِ أنوارٍ ساطعةٍ من السماء فيها تغمرُ الكونَ، وغير ذلك من المشاهد والأمور الخارقة فلا يثبت منه شيء في الأحاديث، وهو لا يعدو أن يكون من القصص والحكايات التي يتناقلها العُبَّاد والزهاد وعدد من الفقهاء دون دليل، وليتهم يدلُّوننا على حديث صحيح واحد أو حسن يذكر حصول هذه الأمورِ ومشاهدتها. والعبادة في الشرعٌ لا بد لها من نصٍّ ولا نصَّ هنا فهي إِذن أُمورٌ خارجةٌ عن الشرع ولو كانت هذه المشاهدُ تحصل بالفعل لحصلت مع الصحابة رضوان الله عليهم، ولتناقلها الناس عنهم، وانتشرت وشاعت، وهم بلا شك أفضل عند الله ممن بعدهم، ولكن شيئاً من ذلك لم يُنقَل عنهم.