…وهذه الأقوال كلها اجتهادات وليست نصوصاً شرعية، فالشرع لم يحدِّد مقدار الفدية، أي لم يحدد مقدار ما يُطعَمُ المسكينُ، وإنما هي اجتهادات في تحقيق مناطِ النصوص الشرعية أي مناط حكم إطعامِ مسكينٍ واحد، فجاءت آراؤهم مختلفة متباينة ولو أن هؤلاء الصحابة والتابعين والفقهاء أدركوا عصرنا هذا لربما تغيَّرت تقديراتهُم، فالعُرفُ وأحوالُ الناس والعصرُ الذي يُعاش فيه لها مدخل وأثر في تحديد مقدار ما يُقدَّم للمسكين الواحد من القوت. ولهذا فإننا غير ملزمين بتقديرات الصحابة ولا بتقديرات الفقهاء الذين سبقونا، ونقف عند قوله سبحانه وتعالى {فديةٌ طعامُ مسكين} وندع تحديد الفدية وما يُقدَّم للمسكين إلى الناس يبذلون ما يرونه كافياً لإطعام المسكين، لا سيما وأَن تقديم المدِّ الواحدِ والمدين والأربعة أمداد من القمح أو من التمر لم يعد ينفع المسكين وإنما أصبح المقبول والمتَّبع في عصرنا الراهن تقديمُ وجباتٍ من الطعام المطبوخ أو دفع مبلغ من المال يفي بالحاجة.
…وللعلم فقط أقول ما يلي: قال أبو عبيد في كتاب الأموال (1602) ما يلي [وأما أهل الحجاز فلا اختلاف بينهم فيه أَعلمه أن الصاعَ عندهم خمسةُ أرطال وثلثٌ يعرفه عالِمُهم وجاهِلُهم، ويباع في أسواقهم ويحملُ علمَه قرنٌ عن قرنٍ (1603) وقد كان يعقوب – هو أبو يوسف القاضي – زماناً يقول كقول أصحابه فيه، ثم رجع عنه إلى قول أهل المدينة] وقال (1623) أيضاً [فقد فسَّرنا ما في الصاع من السنن وهو كما أعلمتُك خمسةُ أرطالٍ وثلثٌ، والمُدُّ رُبُعُه، وهو رطل وثلث، وذلك برطلنا هذا الذي وزنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً ... ] .
…وبتقدير ما سبق بالأوزان الحديثة نقول ما يلي: إن المد يساوي 543 غراماً، فيكون الصاع 175،2غراماً، أي كيلو غرامين ومائةً وخمسة وسبعين غراماً.