…ثم رأينا ابن جرير الطبري يروي عن سعيد بن المسِّيب (2/137) وهو شيخ التابعين أنه قال [في قول الله تعالى ذِكْرُه (فديةٌ طعامُ مسكين) قال: هو الكبير الذي كان يصوم، فكبر وعجز عنه، وهي الحامل التي ليس عليها الصيام، فعلى كل واحد منهما طعام مسكين، مدٌّ من حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان] فهو قد نحا منحىً مختلفاً عمن سبقوه في الاستدلال بهذه الآية، فهو قد فسَّرها بإضافة كلمة (كبروا) بعد كلمة (يطيقونه) فكأَنَّ الآية عنده فيها حذف، وتقديره (وعلى الذين يطيقونه فكبروا فديةٌ طعامُ مسكين) وهو تأويل واضح وجميل، لولا أننا لا نجد مستنداً للقول بالحذف هذا. وأنا أقول ومن الله التوفيق والسداد ما يلي:
…إن القول بالنسخ لا يُلجأ إليه إلا عند تعذُّر الجمع، فإنْ تعذَّر الجمع، وكانت الآيتان متعارضتين لا يمكن الجمع بينهما لجأنا إلى القول بالنسخ، وهنا لا يتعذَّر الجمع بين الآيتين، ولو كان التعذُّر قائماً لما خفي على ابن عباس تَرْجُمَانِ القرآن وحَبْرِ هذه الأمة القائل بعدم النسخ، والواجب في هذه الحالة أن ندع القول بالنسخ، ونتمسك بالقول إن الآيتين محكمتان لا نسخ في أي منهما.