…فإن قال قائل: إن الحديث الأول يبيِّن أن النهي عن الوصال إنما هو رحمة بالناس، وأن الحديث العاشر يقول (نهى عن الحجامة والمواصلة ولم يحرِّمْهما إبقاءً على أصحابه) وهذا تعليل للنهي عن الوصال، والعلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، فإن وجدت العلة وُجد الحكم وإن انتفت العلة انتفى الحكم، فالشخص إن كان قادراً على الوصال فقد انتفت في حقِّه علةُ الرحمة به والإبقاء عليه؟ أجبناه بما يلي:
…إن تعليل النهي عن الوصال بالرحمة، والإبقاء على الناس هو من قول عائشة في الحديث الأول، ومن قول صحابيٍّ في الحديث العاشر، وليس هو من لفظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعائشة ذكرت أن النهي من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو رحمة بالناس، والصحابي ذكر أن النهي منه إنما هو للإبقاء على الناس، ثم إنَّ هذا التعليل كان يمكن قبوله لو لم ترد نصوصٌ صريحةٌ تحظر الوصال على إطلاقه فيُترك هذا التعليل ولا يُلتفت إليه.
…ثم إن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال لأمرين: أولاً لأنه من خصوصياته عليه الصلاة والسلام كما بيَّنَّا، وثانياً لأنه تعمُّق في الدين، ولم يذكر الرحمة ولم يذكر الإبقاء على الناس، فنقف عند ما بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وندع ما ظنَّته عائشة وما ظنه الصحابي.
…وأقول مثل ذلك بخصوص قول الصحابي في الحديث العاشر (نهى عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما) فهو وإن كان قوله (نهى عن الحجامة والمواصلة) يعتبر مرفوعاً ومن ثمَّ يجب قبوله، فإن قوله (ولم يحرمهما) هو اجتهادٌ وفهمٌ لهذا الصحابي فيما نقله، ونحن لسنا بملزمين باجتهاد الصحابي ولا بفهمه، لا سيما وقد جاءت النصوص تعارض هذا الاجتهاد والفهم.