…إن حديث معاوية عند البخاري وأحمد، يصلح قرينةً ظاهرةً تصرف الأمر النبوي الكريم إلى الندب، فقوله عليه الصلاة والسلام: (لم يَكْتُب اللهُ عليكم صيامه وأنا صائم) ، أو قوله (ولم يُفرض علينا صيامُه فمن شاء منكم أن يصوم فليصم) هو قرينة على أن الأمر النبوي الكريم بصيام يوم عاشوراء كان أمراً على الندب وليس على الوجوب. أما أنه ليس أمراً على الوجوب فواضحٌ بالمنطوق، وأما أنه أمرٌ على الندب فهو أنه عليه الصلاة والسلام قال للمسلمين (وأنا صائم) وقال لهم (فمن شاء منكم أن يصوم فليصم) فكونه عليه الصلاة والسلام يعلن أنه صائم ويأمر من يشاء أن يصوم بالصوم، وكون الصوم عبادة يُتقرب بها إلى الله سبحانه فإن ذلك يشكل دليلاً وقرينة على أن صيام عاشوراء مندوب.
…أما استدلالهم بحديثي الرُّبيِّع عند البخاري، وحديث سَلَمة بن الأكوع عنده أيضاً، فأقول: إن لفظ الحديثين من حيث الدلالة واحد، الحديث الأول يقول (من أصبح مفطراً فلْيُتمَّ بقيةَ يومه، ومن أصبح صائماً فليصم) والحديث الثاني يقول (إنَّ مَن أكل فليُتمَّ أو فلْيصمْ، ومن لم يأكل فلا يأكل) وهذان الحديثان لم يأتيا في باب فرض الصوم لا بالمنطوق ولا بالمفهوم، أما بخصوص المنطوق فواضح، وأما بخصوص المفهوم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حين يأمر بأمرٍ واجبٍ يُرشدنا إلى كيفيته، وأيضاً عندما يأمرنا بأمر مندوب يرشدنا إلى كيفيته دون أن يكون لذِكر الكيفية دلالةٌ على الوجوب أو على الندب، وإنما هي تابعة في الحكم لأصل الأمر، فإن كان الأمر للوجوب أُلحقت كيفيته به، وإن كان الأمر للندب كانت الكيفية تابعة له في الندب. ولا حاجة بنا لذكر الأمثلة على ما نقول فهي من الشيوع والشهرة بحيث لا تخفى على عالم أو فقيه. وهنا جاء ذكر كيفية العمل عند مرور وقتٍ من نهار يومٍ يُصام ولا تدل هذه الكيفية مطلقاً على وجوب ذلك الصوم.