فهذا الحديث والقول الأخير من عائشة يُحمَل على وصف صيام الرسول صلى الله عليه وسلم فيما اعتاده واشتُهر عنه، والذي اعتاده واشتُهر عنه أنه كان يصوم أكثر من ثلاثة أيام في الشهر، فكان قول عائشة هذا يصف هذا الصوم المعتاد والمشتهر عنه عليه الصلاة والسلام ولم يكن القول هذا وصفاً مقصوراً على صيام ثلاثة أيام فحسب فمن كثر صيامه كأَنْ يصوم عشرة أيام في الشهر فإنه لا يتسنَّى له الاقتصار على الأيام البيض، ولا على الاثنين والخميس، وعندئذٍ يصوم أي يوم شاء وبأية كيفية، ولا يقوى هذا الحديث على معارضة أحاديثنا السابقة، بل هو لا يعارضها وإنما جاء عاماً في صيام التطوع، وجاءت أحاديثنا خاصة في صيام ثلاثة أيام.
صيامُ الاثنين والخميس:
وهذا نوع ثالث من أنواع صيام التطوع، فمن قام بهذا الصيام فإنما يكون قد صام ثمانية أيام من الشهر، يومين كل أسبوع من أسابيع الشهر الأربعة. وقد ندب الرسول صلى الله عليه وسلم للصيام في هذين اليومين لأن أعمال العباد تُعرض فيهما، ولأنَّ أبواب الجنة تفتح فيهما، فيُغفر لكل مسلم إلا لمتخاصِمَيْن متهاجِرَيْن، وفي يوم الاثنين خاصةً وُلد المصطفى صلى الله عليه وسلم وأُنْزِل عليه القرآنُ الكريم، فلْيحرص المسلم على أن تُعرَض أعمالُه على ربه عزَّ وجلَّ وهو صائم في هذين اليومين كي يحظى بمغفرة الله له. وهذه طائفة من الأحاديث الشريفة تذكر ذلك:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت {كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الاثنين والخميس} رواه الترمذي (745) وابن ماجة وابن خُزيمة. وفي روايةٍ للنَّسائي (2186) وأحمد وابن حِبَّان من طريقها بلفظ {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، ويتحرى صيام الاثنين والخميس} .