وننظر في الحديث التالي: عن أبي جُحَيفة قال {آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمانُ أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذِّلة، فقال لها: ما شأنكِ؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال: كل، قال: فإني صائم قال: ما أنا بآكِلٍ حتى تأكل قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصلَّيا، فقال له سلمان: إنَّ لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأَعطِ كلَّ ذي حق حقَّه فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان} رواه البخاري (1968) والترمذي وابن خُزيمة والطبراني. ورواه الدارَقُطني (2/176) والبيهقي بلفظ {… إن أخاك يقوم الليل ويصوم النهار وليس له حاجة في نساء الدنيا فجاء أبو الدرداء، فرحَّب به سلمان وقرَّب إليه طعاماً فقال له سلمان: اطْعَم، فقال: إني صائم، فقال: أقسمت عليك لتُفْطِرنَّه، قال: ما أنا بآكِلٍ حتى تأكل، فأكل معه ... } قوله متبذِّلة: أي لابسة لباس البَذْلةِ، وهي المهنة والشغل، والمعنى أنها تاركةٌ ثيابَ الزينةِ. فهذا الحديث يدلُّ على عدة أحكام: منها أن الصائم المتطوِّع يجوز له قطع صيامه، وقد مرَّ مزيد بحث في هذه المسألة في [قضاء صوم التطوع] في الفصل [قضاء الصوم] ومنها أن الاعتدال في العبادة مشروع، ومن العبادةِ الصيامُ وقيامُ الليل، ومنها أن أداء حق الزوجة مقدَّم على صيام التطوع وقيام الليل، ومنها أن الداعي يجوز له أن يحث الصائم المدعو على الإفطار.