…أما قضاء ما قُطع من صوم التطوع فهو غير واجب ولا يوجد نصٌّ صحيح أو حسن يأمر به على سبيل الإِلزام، فيبقى حكمه حكم صيام التطوُّع ابتداءً، دون أي فارق بينهما. فكما أن صيام التطوع مندوب، فإِنَّ قضاءَ هذا الصيام يأخذ حكمَه، وهو الندب، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد (أَفطر وصُم مكانه يوماً إن شئت) يدل على جواز الإفطار وعلى القضاء المعلَّق بالمشيئة، ولا يدل كلاهما على الفرض والإِلزام. وعليه فإن قول مالك في الرواية الأخرى [أنْ لا قضاء عليه إذا كان الإفطار لعذر] لا مسوِّغ له ولا دليل عليه. وبذلك يبقى قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد ومن قال بقولهم، مِن أن قطع صيامِ التطوع جائزٌ ومِن استحباب القضاء، هو القول الصحيح الذي تدل عليه النصوص.
ثانياً: قضاء الصوم عن الميت:
ذهب طاووس والحسن البصري والزُّهري وقتادة وأبو ثور وابن حزم والنووي إلى استحباب صيام ولي الميت عن الميت. وحصره الليث بن سعد وإسحق وأبو عبيد في صوم النذر دون غيره. وذهب أبو حنيفة ومالك والجمهور إلى أنه لا يُصام عن ميت لا نذراً ولا غيره، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، ورواية عن الحسن والزُّهري.
…قال النووي: اختلف العلماء فيمن مات وعليه صومٌ واجب من رمضان، أو قضاءٌ أو نذرٌ أو غيرُه هل يُقضى عنه؟ وللشافعي في المسألة قولان مشهوران أشهرهما لا يُصام عنه، ولا يصح من ميت صومٌ أصلاً. والثاني يُستحَبُّ لوليه أن يصوم عنه، ويصح صومه عنه، ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى إِطعام عنه. وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث ... إلخ.