والرابعة: إن عدم وجوب الوضوء من مسِّ الفرج أُخذ من حديث طلق بالمفهوم، في حين أن أحاديثنا تفيد الوجوب منطوقاً، والمنطوق أقوى من المفهوم.
لهذه الأسباب يترجح حديث بُسرة والأحاديث الأخرى القائلة بإيجاب النقض، ويُترك العمل بحديث طلق لأنه لا يصلح للاستدلال به على هذه المسألة بعد أن بان ما بان. وبذلك يظهر وجه الحق في إيجاب الوضوء من مسِّ الفرج قُبُلاً كان أو دُبُراً، لرجل أو لامرأة، لفرجِهِ أو لفرجِ غيرِهِ.
أما رأي الشافعية من أن النقض إنما يكون بباطن الكف دون ظهره فضعيف، قال عالم اللغة ابن سيده في المحكم: أفضى فلان إلى فلان وصل إليه، والوصول أعم من أن يكون بظاهر الكف أو باطنها. وقال ابن حزم (الإفضاء يكون بظاهر الكف كما يكون بباطنها، قال: ولا دليل على ما قالوه من التخصيص بالباطن من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي صحيح) أجل إما أن يأتي الشافعيون بدليل على ما يقولون وإما أن رأيهم غير صحيح، فالأدلة الشرعية لا تقول بما يقولون، واللغة لا تسعفهم فيما ذهبوا إليه.
أما ما يُروى عن مالك من القول باستحباب الوضوء من المسِّ دون الوجوب، فحديث بُسرة القائل «فقد وجب عليه الوضوء» يردُّه. وأما رأي جابر بن زيد القائل إن النقض إنما يكون بالمسِّ المتعمَّد دون المسِّ سهواً فإن الأحاديث كلها تردُّه، إذ لم تُفرِّق الأحاديث بين العمد والسَّهو.