والرابعة إن ابن عمرو نفسه - وهو راوي الحديث - لا يقول بالمسح بل يقول بالغسل فكيف يقول بالغسل ثم يروي هذا الحديث ويعني به المسح، إلا أن يكون قد عنى بالمسح الغسل الخفيف بسبب السرعة، فأطلق هذه اللفظة عليه؟ وهذا الرد يقال بخصوص رواية مسلم «فتوضأوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسَّها ماء» فإنه لا يدل على المسح وإنما يدل على الغُسل السريع غير التامِّ. ومما يزيد الأمر وضوحاً وتأكيداً ما روى أبو هريرة في صحيح مسلم «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً لم يغسل عقبيه فقال: ويل للأعقاب من النار» فقد صرَّح بالغسل. وما روى جرير بن حازم عن قتادة عن أنس بن مالك «أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ارجع فأحسِن وضوءك» رواه أحمد وابن خُزَيمة. وروى أحمد ومسلم مثله من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما روى بجير - هو ابن سعد - عن خالد عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعةٌ قدرَ الدرهم لم يُصبها الماء، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الوضوء والصلاة» رواه أبو داود. ورواه أحمد بدون «والصلاة» وقد مر. فهذه الأحاديث تفيد وجوب الاستيعاب، ولا يكون استيعابٌ إلا إذا كان غسلٌ، لأن المسح من شأنه أن يخلف شيئاً من الممسوح، فلما حذر الرسول عليه الصلاة والسلام من ترك قدر ظفر أو قدر درهم أو ترك العقب، دل تحذيره على أن المطلوب الغسل لا غير.