قال العِزُّ: وقد فضَّل الشافعي تحمُّل الصائم مشقة رائحة الخُلوف على إزالته بالسواك، مستدلاً بأن ثوابه أطيب من ريح المسك، ولا يُوافَق الشافعيُّ على ذلك، إذ لا يلزم من ذكر ثواب العمل أن يكون أفضل من غيره، لأنه لا يلزم من ذكر الفضيلة حصول الرُّجحان بالأفضلية، ألا ترى أن الوِتر عند الشافعي في قوله الجديد أفضل من ركعتي الفجر، مع قوله عليه الصلاة والسلام «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» وكم من عبادة قد أثنى الشارع عليها وذكر فضيلتها وغيرُها أفضلُ منها، وهذا من باب تزاحم المصلحتين اللتين لا يمكن الجمع بينهما، فإن السواك نوع من التَّطهُّر المشروع لأجل الرَّبِّ سبحانه، لأن مخاطبة العظماء مع طهارة الأفواه تعظيم لا شك فيه، ولأجله شُرع السواك، وليس في الخُلُوف تعظيم ولا إجلال فكيف يقال إن فضيلة الخُلُوف تربو على تعظيم ذي الجلال بتطييب الأفواه؟ . وخلص العزُّ إلى القول: والذي ذكره الشافعي رحمه الله تخصيصٌ للعام بمجرد الاستدلال المذكور المعارَض بما ذكرنا. وقال ابن حجر العسقلاني (استدلال أصحابنا بحديث خُلُوف فم الصائم على كراهة الاستياك بعد الزوال لمن يكون صائماً فيه نظر) .
والصحيح هو أن استدلال هؤلاء على كراهة الاستياك بعد الزوال للصائم بحديث الخُلُوف هو استدلال لا يصلح لتخصيص الأحاديث الحاثَّة على استحباب السواك على العموم لأن حديث الخُلُوف هو في موضوع مغاير لموضوع أحاديث الاستياك، فلا يصلح مخصِّصاً. وممن ذهب إلى عدم كراهة الاستياك بعد الزوال إبراهيم النخعي وابن سيرين وعروة ومالك بن أنس وأصحاب الرأي، ورُوي عن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم أجمعين.