هناك نجِسٌ، وهناك متنجِّسٌ،فأعيان النجاسات السابق بحثها وتحديدها هي من فئة النَّجِس، وإذا خالط النَّجِس غيره نجَّسَه فصار متنجِّساً، والحكم بالاجتناب والإزالة إنما يتعلق بالنَّجِس دون المتنجِّس، فالمتنجِّس يمكن إعادته إلى أصله من الطهارة بتخليصه من النَّجِس إلا أشياء نادرة، وأما النَّجِس فأصله النجاسة، ويظل نجِساً ولا يَطْهر إلا في حالة واحدة نادرة أيضاً.
حكمُ الانتفاعِ بالنَّجِس
حرَّم الشرع الانتفاع بالنَّجِس تحريماً عاماً مطلقاً، وأوجب على المسلمين الابتعاد عنه دون إيجابه على الكافرين، فالكافرون سمح الإسلام لهم بالانتفاع بالنجس، فقد سمح لهم بالانتفاع بالخمر وهي نجسة، وسمح لهم بالانتفاع بالخنزير وهو نَجِس، وسمح لهم بالانتفاع بما يشاءون من النَّجاسات دون ممانعة من دولة الخلافة، فلو شربوا أبوالهم وخلطوا دماءهم في أدويتهم وأكلوا الميتة لم يعترض المسلمون عليهم، فالإسلام أمر المسلمين بترك الكفار وما يعبدون وما يأكلون، أما المسلمون فهم طاهرون متطهِّرون يأنفون من النجاسات ويعافون الاقتراب منها، ويلزمهم إزالتُها وعدمُ الانتفاع بها بأي وجه من وجوه الانتفاع، إلا ما خصَّه الدليل ككلب الصيد وكلب الحراسة، وكجلد الميتة بعد دباغه، وما سوى هذه الثلاثة لا يجوز الانتفاع بالنَّجِس مطلقاً. ونسوق عدداً من الأدلة على ذلك:
أ - عن جابر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح وهو بمكة «إن الله ورسوله حرَّم بيع الخمر والميتة والخِنزير والأصنام فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنها يُطلَى بها السفن ويُدهنُ بها الجلود ويَستصبحُ بها الناس، فقال: لا هو حرام، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لمَّا حرَّم شحومها جَمَلوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه» رواه البخاري وأحمد وأصحاب السُّنن. وقد سبق.