وبعد أن فرغنا من إزالة الشُّبهات في موضوع الأبوال، نودُّ أن نبحث موضوع الميتة وما يتعلق بجلدها وعظمها وشعرها، وهل هذه الثلاثة تلحق بالميتة من حيث النجاسة، أم أن لها حكماً آخر؟
ثانياً: الميتة وأجزاؤها من حيث النجاسة:
لقد اختلف الأئمة والفقهاء في موضوع الميتة وأجزائها من حيث النجاسة اختلافاً كبيراً، وذهبوا في ذلك مذاهب شتَّى، وقد ظهر ذلك في موضوعين رئيسيين منها:
أ - عظمها وشعرها وما يلحق بهما من العاج والسِّنِّ والقرن والوبر والصوف.
ب - جلدها.
فذهب إلى نجاسة عظمها مالك والشافعي وإسحق وأحمد، وذهب إلى حكم الكراهة فيها عطاء وطاووس والحسن وعمر بن عبد العزيز، وذهب إلى طهارتها ابن سيرين وابن جُرَيْج والثوري وأبو حنيفة والزُّهري، ومن الصحابة ابن عباس. فالفقهاء والأئمة اختلفوا في العظم على ثلاثة آراء، واختلفوا في جلد الميتة هل يَطْهُر بالدباغ أم لا يَطْهُر وأيُّ الجلود تَطْهُر، على آراءٍ كثيرة نفصِّلها كما يلي:
1- ذهب عبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيِّب وعطاء والحسن والشعبي وسالم والنخعي وقتادة والضحاك وسعيد بن جبير ويحيى بن سعيد ومالك والليث والثوري وأبو حنيفة وابن المبارك والشافعي وأحمد في آخر قوليه إلى أن جلود الميتات تَطهر بالدباغ ما عدا جلد الكلب وجلد الخنزير.
2- ورُوي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعِمران بن حصين وعائشة أم المؤمنين وأحمد في أُولى الروايتين عنه، ومالك في رواية عنه إلى أن الدباغ لا يُطَهِّر جلد الميتة إطلاقاً.
3- وذهب الأوزاعي وأبو ثور وإسحق بن راهُوَيه إلى تطهير جلد الميتة لمأكول اللحم فقط.
4- وذهب مالك إلى أن الدِّباغ يُطَهِّر ظاهر الجلد دون باطنه، بمعنى أنه لا يصلح لوضع المائعات والسوائل فيه.
5- وذهب داود وأبو يوسف ومالك في رواية عنه إلى أن الدِّباغ يُطَهِّر جميع الجلود حتى جلد الكلب والخنزير.