الرد على هذه المزاعم:
قبل الشروع في الرد على القائلين بأن إبراهيم كان مناظراً مستدلاً بالكواكب على ربه وصانعه بعد بلوغه أريد أن أرد إجمالاً على القائلين بأن أول واجب على المكلف هو النظر والاستدلال على الصانع[1]، وأن طريقه أن العالم إما جوهر أو عرض وهو ممكن أو محدث، والمحدث لا بد له من محدث، والمحدث إما أن يكون واجب الوجود أو ممكناً، فإذا كان واجب الوجود فهذا المطلوب، وإن كان ممكناً فلا بد من مؤثر، وهذا يؤدي إلى الدور أو التسلسل، أو الانتهاء إلى مؤثر واجب الوجوب لذاته، والأول والثاني باطل، فتعين الأخير[2]، وذلك لأن منشأ نسبة أن إبراهيم اعتقد بعد بلوغه أن الكوكب ربه هو هذا الأصل الفاسد، ويتضح فساده مما يلي:
أولاً: أن سبيل معرفة الله والإيمان به ومعرفة شرعه عن طريق لرسل، وليس النظر والمقدمات والنتائج كما يزعم هؤلاء، وهذا ما دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [3]. وقوله: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [4]، وقوله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ [1] انظر: "المواقف في علم الكلام": ص28-32، و"شرح جوهرة التوحيد": ص35. [2] انظر: تفصيل ذلك في: كتاب "المواقف في علم الكلام": ص226. [3] سورة النساء، الآية: 165. [4] سورة الإسراء، الآية: 15.