responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موسوعة الفقه المصرية المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 61
احْتِيَال

تعريف الاحتيال:
الاحتيال لغة: جاء فى مختار الصحاح [1] : " الحيلة اسم من الاحتيال، وكذا الحَيْل والحوْل.. يقال لا حيل ولا قوة، لغة فى حوْل. وهو أحيل منه، أى أكثر حيلة، ويقال ما له حيلة ولا احتيال ولا محال بمعنى واحد ". وجاء فى لسان العرب [2] : " الاحتيال مطالبتك الشىء بالحيل " وعلى هذا فالاحتيال هو اللجوء إلى الحيلة. ويعرف الشاطبى الحيل بقوله: " أن حقيقته المشهورة هى تقديم عمل ظاهر الجواز لابطال حكم شرعى، وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر، فمآل العمل فيها خرم قواعد الشريعة فى الواقع، كالواهب ماله عند رأس الحول فرارا من الزكاة، فإن أصل الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غير هبة كان ممنوعا، فإن كل واحد منهما ظاهر أمره فى المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد صار مال الهبة المنع من آداء الزكاة، وهو مفسدة، ولكن هذا بقصد إبطال الأحكام الشرعية [3] .
وقال قبل ذلك [4] : التحيل بوجه سائغ مشروع فى الظاهر وذلك كمن وهب النصاب قبل الحول حتى لا تجب الزكاة، أو غير سائغ كمن شرب الخمر فى وقت الصلاة حتى تسقط عنه، على إسقاط حكم أو قلبه إلى حكم آخر بحيث لا يسقط أو ينقلب إلا مع تلك الواسطة، فتفعل ليتوصل بها إلى ذلك الغرض المقصود مع العلم بكونها لم تشرع له.
ويبين ابن القيم أقسام الحيل فيقول [5] :
القسم الأول: الطرق الخفية التى يتوصل بها إلى ما هو محرم فى نفسه بحيث لا يحل بمثل ذلك السبب بحال، فمتى كان المقصود بها محرما فى نفسه فهى حرام باتفاق المسلمين. وهذا القسم ينطوى على أنواع ثلاثة: أحدها: أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها المحرم.
الثانى: أن تكون مباحة فى نفسها. ويقصد بها المحرم، فتصير حراما تحريم الوسائل كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس المعصومة.
وهذان القسمان تكون الحيلة فيهما موضوعة للمقصود الباطل المحرم، ومفضية إليه كما هى موضوعة للمقصود الصحيح الجائز ومفضية إليه، فإن السفر طريق صالح لهذا وهذا.
الثالث: أن تكون الطريق لم توضع للإفضاء إلى المحرم، وإنما وضعت مفضية إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة ونحو ذلك فيتخذها المتحيل سلما وطريقا إلى الحرام.
القسم الثانى: أن يقصد بالحيلة أخذ حق أو دفع باطل، وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة أنواع أيضا:
النوع الأول: أن يكون الطريق محرما فى نفسه وإن كان المقصود به حقا مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده ولا بينة له، فيقيم صاحبه شاهدى زور يشهدان به، ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق، فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود، وفى مثل هذا جاء الحديث " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ".
النوع الثانى: أن تكون الطريق مشروعة، وما تفضى إليه مشروع، وهذه هى الأسباب التى نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها كالبيع والإجارة، ويدخل فى هذا النوع الاحتيال على جلب المنافع وعلى دفع المضار، وليس كلامنا ولا كلام السلف الصالح فى ذم الحيل متناولا لهذا النوع، بل العاجز من عجز عنه.
النوع الثالث: أن يحتال على التوصل إلى الحق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم توضع موصلة إلى ذلك، بل وضعت لغيره، فيتخذها هو طريقا إلى هذا المقصود الصحيح، أو قد تكون وضعت ولكنها خفية ولا يفطن لها. والفرق بين هذا النوع والذى قبله أن الطريق فى الذى قبله نصبت مفضية إلى مقصودها ظاهرا فسالكها سالك للطريق المعهود، والطريق فى هذا النوع نصبت مفضية إلى غيره فيتوصل بها إلى ما لم توضع له، فهى فى الأفعال كالتعريض الجائز فى الأقوال.
الصلة بين الاحتيال
وبعض الأصول الشرعية
قرر الشاطبى حرمة الاحتيال، وأسس هذا البطلان على جملة من الأصول الشرعية الكلية والقواعد القطعية، ثم قام بعمل استقراء من نصوص الشريعة يفيد أن الاحتيال بالفعل المشروع فى الظاهر إلى إبطال الأحكام الشرعية باطل شرعا، وإليك هذه الأصول.
أولا: الاحتيال ومخالفة قصد الشارع
أسس الشاطبى حرمة الاحتيال على أن المحتال قصد ما ينافى قصد الشارع فبطل عامله. ذلك أن قصد المكلف فى العقل يجب أن يكون موافقا لقصد الشارع وأن من ابتغى فى تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله على المناقضة باطل، وقد أقام الأدلة على أن مخالفة قصد الشارع مبطلة للعمل [6] .
أما أن المحتال قاض بالعمل غير ما شرع له فظاهر، فالناكح- يقصد تحليل المرأة لزوجها الأول- قاصد بالزواج غير ما شرع له. فالزواج شرع للتناسل وتكوين الأسرة والسكن والمودة والرحمة، وما إلى ذلك من مصالح الزواج التى لا تحصل إلا بدوام العشرة. وليس من صالح النكاح التى قصدها الشارع منه أن- يحلل الزوج المرأة لغيره، بل إن ذلك مناف للحكمة من الزواج ومفوت لمصالحه.
ودليل ذلك أن الجمهور على أن التحليل لو شرط صراحة فى العقد لبطل، لأنه شرط ينافى مقتضى العقد، وقصد الشارع من عقد البيع دفع حاجة البائع إلى الثمن وحاجة المشترى إلى السلعة، فإذا قصد المحتال أن يقرض مائة إلى أجل ليسترد مائتين، وجعل السلعة وسيلة لذلك وليس لأحدهما غرض فيها بوجه من الوجوه فقد خالفه قصده قصد الشارع.
الأساس الثانى - الاحتيال وقاعدة اعتبار المآل:
يقرر الشاطبى أن النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا، وبين أن مضمون هذه القاعدة أن المجتهد لا يحكم على فعل بالإذن أو المنع إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فإذا كان الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، فإنه يمنع إذا أدى استجلاب تلك المصلحة أو درء تلك المضرة إلى فوات مصلحة أهم أو حدوث مفسدة أكبر، وبالمثل فإن الفعل غير المشروع لمفسدة تنشأ عنه، أو لمصلحه تندفع به يشرعه إذا أدى استدفاع المضرة أو جلب المصلحة إلى مفسدة تساوى أو تزيد.
وهذه القاعدة تنطبق على الاحتيال، ذلك أن الفعل المتحيل به فعل مشروع لمصلحة فى الظاهر، لم يقصد به المتحيل تحصيل هذه المصلحة، وإنما قصد به مفسدة محرمة، كالواهب ماله عند رأس الحول فرارا من الزكاة، فإن أصل الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غير هبة لكان ممنوعا، فإن كل واحد منهما ظاهر أمره فى المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد صار ماّل الهبة المنع من آداء الزكاة وهو مفسدة [7] .
الاحتيال وإسقاط حكم السبب بفعل شرط أو تركه
إذا كان إعمال السبب يتوقف على فعل شرط أو تركه، فإن قام المكلف بفعل ما يحقق هذا الشرط أو يفوته، تحصيلا لمصلحة شرعية، فإن فعل الشرط يترتب عليه أثره. وأما إذا فعل المكلف هذا الشرط أو تركه من حيث كونه شرطا دون قصد إلى تحصيل مصلحه شرعية، وإنما فعله قصدا لإسقاط حكم السبب لكى لا يترتب عليه أثره، فهذا عمل غير صحيح، وسعى باطل.
ومثل الشاطبى لذلك بأنه إذا توافر النصاب كان سببا لوجوب الزكاة. ولكن يتوقف الوجود على بقاء النصاب، حتى يحول الحول، فإذا ما أنفق المكلف النصاب قبل الحول للحاجة إلى إنفاقه، أو أبقاه للحاجة إلى إبقائه، فإن الأحكام التى تترتب على الأسباب تنبنى على وجود الشرط أو فقده، أما إذا أنفقه من حيث أنه شرط لوجوب الزكاة قاصدا عدم ترتب آثار السبب عليه، فإن هذا العمل غير صحيح، ولقد أقام الشاطبى الأدلة التى تفيد القطع فى جملتها بأن فعل ما يحقق الشرط أو يعدمه يقصد إبطال حكم السبب، فعل غير صحيح وسعى باطل.
ثم قال: فإن هذا العمل يصير ما انعقد سببا للحكم، جلبا لمصلحة أو دفعا لمفسدة، عبثا لا حكمة له ولا منفعة فيه، وهذا مناقض لما ثبت فى قاعد المصالح وأنها معتبرة فى الأحكام، وأيضا فإنه مضاد لقصد الشارع من جهة أن السبب لما انعقد سببا وحصل فى الوجود صار مقتضيا شرعا لمسببه، ولكنه توقف شرعا على حصول شرط هو تكميل للسبب، فصار هذا الفاعل أو التارك بقصد رفع حكم السبب قاصدا لمضادة الشارع فى وضعه سببا. وقد تبين أن مضادة قصد الشارع باطلة، فهذا العمل باطل [8] .
الاحتيال وانعدام الإرادة فى العقد المتحيل به
إن ركن العقد هو الرضا، ولما كانت الإرادة أمرا باطنا لا يطلع عليه، جعل الشارع مظنة الرضا، وهو الصيغة، قائمة مقام الرضا على أنه إذا ثبت أن العاقد الذى أتى بالصيغة قد قصد بها غير ما وضعت له، فإن الرضا بالعقد يكون منعدما، إذ الصيغة لا تنعقد سببا لترتب آثار العقد عليه إلا إذا قصدها العاقد غير مريد بها معنى يناقض موجبها ومعناها. فعاقد الهبة بقصد القرب من الزكاة لم يتوافر بالنسبة له الرضا بالعقد الذى أبرمه ذلك أنه قصد بالصيغة ما ينافى المعنى الذى وضعت له.
فلفظ الهبة إنما وضع لإرادة تمليك الواهب للموهوب له على سبيل الإرفاق والإحسان، والواهب للنصاب لم يقصد باللفظ معناه الموضوع له شرعا، وإنما قصد به الهروب من دفع الزكاة، ولم يضع الشرع لفظ الهبة للهروب من دفع الزكاة. كما لم يضع لفظ النكاح ليحلل المطلقة وإنما وضعه لدوام العشرة، وإذا كانت بعض عقود الهازل صحيحة، فإن هناك فرقا بين الهازل والمحتال. ذلك أن الهازل أتى بالصيغة غير قاصد ما يناقض المعنى الذى وضعت له شرعا، فكان قاصدا لحكم اللفظ حكما، وإن لم يقصده حقيقة، وذلك بخلاف المحتال، فإنه لما كان قاصدا خلاف معنى اللفظ لم يصح القول بأنه قاصد لمدلوله حكما، فالهازل آت بالسبب غير راغب فى ترتب آثاره عليه وترتب الأثر بحكم الشارع لا بإرادة الشخص [9] .
حكم الاحتيال وأدلته
يقرر الشاطبى أن الاحتيال بالمعنى الذى قرره غير مشروع، والفعل المتحيل به غير صحيح فيقول: الحيل فى الدين بالمعنى المذكور غير مشروعة فى الجملة ... فإذا كان الأمر فى ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقا والمصلحة مخالفة فالفعل غير صحيح وغير مشروع [10] .
وعلى هذا فإن الفعل المتحيل على ما لا يجوز غير مشروع فى الباطن بينه وبين الله تعالى، وغير صحيح، ولا يترتب عليه أثر فى أحكام الدنيا إذا قامت الأدلة عن القصد المحرم والباعث غير المشروع.
وعلى هذا فإن واهب النصاب قبيل الحول بقصد الفرار من الزكاة تحرم هبته وتبطل إذا ثبت بإقراره أو بالقرائن أنه إنما وهب النصاب بقصد الفرار من هذا الواجب وهو مجال الخلاف بين المالكية والحنابلة من جهة، وبين الشافعية والحنفية من جهة أخرى.
فالفريق الأول يبطلون الفعل الذى يقصد به الفاعل قصداً غير مشروع إذا قامت القرائن على هذا القصد، أما الفريق الآخر فإنهم وإن وافقوا على أن القصد إلى إبطال الحقوق وإسقاط الواجبات وغير ذلك من النيات المحرمة والمقاصد غير المشروعة محرم، إلا أن العقد أول التصرف لا يبطل بل يترتب عليه أثره، ويحكم بصحته قضاء، ولو ثبت قصد الفاعل غير المشروع أو نيته المحرمة، ما لم يكن العاقد قد أظهر هذا القصد أو تلك النية فى العقد نفسه، بحيث كانت داخلة فى صلب التصرف ومعبراً عنها فيه.
ويقرر الشاطبى أن هناك نصوصا شرعية يقطع مجموعها بالمنع من الاحتيال فى الشريعة ونحن نورد بعض هذه النصوص:
1- ما جاء فى القرآن من نصوص خاصة بالمنافقين والمرائين: فقد ذم الله هذين الفريقين وتوعدهم بالعقوبة وشنع عليهم، ويتمثل النفاق فى الرياء فى أنهم أتوا قولا أو عملاً، للشارع منه قصد معين، وهم يقصدون منه ما يناقض هذا القصد، فالمنافق ينطق بكلمة الشهادة لا يقصد بها الخضوع فى الباطن والظاهر لله عز وجل، وإنما يقصد بها صيانة دمه وماله والمرائى يأتى العبادة لا يقصد بها التوجه إلى الله الواحد المعبود، ولا نيل الثواب فى الآخرة، وإنما قصده النيل من أوساخ الخلق، أو من تعظيمهم أو غير ذلك من حظوظ الدنيا الفانية، ومتعها الزائلة.
2- ما جاء فى القرآن فى شأن أصحاب السبت الذين حرم عليهم الصيد فى يوم السبت فحفروا حياضا تصلها قنوات بالبحر حتى تدخلها الحيتان يوم السبت ثم يحبسونها حتى يصيدوها فى الأيام الجائز فيها الصيد، وقد كان عقابهم بالمسخ، وهو أشنع العقوبات [11] .
والاحتيال واضح فى أفعالهم، إذ إنهم ما قصدوا بالحفر مصلحه شرعية بل كان مقصدهم الاحتيال على فعل المنهى عنه.
3- ما جاء فى السنة من النهى عن جمع المتفرق وتفريق المجتمع خشية الصدقة ذلك أن الجمع والتفريق جائزان إذا قصد الخليطان مصلحة مشروعة لذلك الفعل، أما إذا كان ذلك الفعل لم يقصد به إلا إسقاط الزكاة الواجبة أو تقليلها فإن هذا القصد يبطل. لأن ما خالف قصد الشارع حرام باطل.
4- ما جاء فى السنة من تحذير المسلمين من فعل اليهود الذين استحلوا محارم الله بأدنى الحيل، فقد حرم الله عليهم الشحوم فجملوها [12] وباعوها وكلوا أثمانها، وقد لعن الله اليهود بسبب فعلهم هذا، ذلك أن المصلحة المفهومة من النهى عن الشحوم هى عدم الانتفاع بها، وذلك يشمل الانتفاع بالثمن وهم قد أغفلوا هذا المعنى واعتبروا ظاهر النص لا قصدا إلى الوقوف عندما حده الشارع مما لم تعلم مصلحته على الخصوص، وإنما بقصد الحصول على المال الذى هو معبودهم المقدس، إذ كيف تطيب نفوسهم بترك الشحوم دون الاستفادة منها [13] .
5- ما جاء فى السنة من لعن المحلل والمحلل له، والراشى والمرتشى، وحرمة بيع العينة، وهدية المديان، وغلول الأمراء والبيع والسلف.

[1] ص 184.
[2] ص187.
[3] الموافقات ج4 ص 201 طبع مصطفى محمد.
[4] الموافقات ج2 ص 378.
[5] أعلام الموقعين ج3 ص 341.
[6] انظر الموافقات ج2 ص 231.
[7] راجع الموافقات ج4 ص 201.
[8] الموافقات ج 2 ص 278.
[9] الموافقات ج1 ص 216، ج2 ص 330 وأعلام الموقعين ج3 ص 134،ص 136.
[10] الموافقات ج 2 ص 330، ص 385.
[11] سورة الأعراف: 163- 168.
[12] جمل الشحم، وأجمله، واجتمله: أذابه. والجميل: الشحم الذائب.
[13] الموافقات ج 2 ص 278.
اسم الکتاب : موسوعة الفقه المصرية المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 61
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست