responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موسوعة الفقه المصرية المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 10
بيع الآبق ومتى يجوز؟

الحنفية:
بيع الآبق قد يكون من المالك وقد يكون من القاضى وقد يكون من الآخذ فالمالك يصح له أن يبيعه إن كان قادرا على تسليمه للمشترى، وذلك بأن يحضر به الآخذ إلى سيده ليرده فباعه إليه السيد قبل تسليمه فعلا لأنه بالتخلية بين الأبق والراد يعتبر مسلما فقد جاء فى المبسوط: " وإذا انتهى الرجل بالعبد الآبق إلى مولاه فلما نظر إليه أعتقه فالجعل واجب ... إلى أن قال: وكذلك إن باعه مولاه من الذى أتاه به لأنه صار قابضا له لما نفذ تصرفه فيه بالتمليك من غيره ". " أى الراد " [1] .
بخلاف ما إذا باعه لغير واجده فإنه لا يجوز للعجز عن التسليم.
قال صاحب المبسوط: " ويجوز بيع الآبق ممن أخذه " أى لمن أخذه لأن امتناع جواز بيعه من غيره لعجزه عن التسليم إليه ولا يوجد ذلك هنا لأنه بنفس العقد يصير مسلما إلى المشترى لقيام يده فيه فلهذا جاز بيعه منه [2] .
أما بيع القاضى له فإنه يكون له بيعه إذا حبسه وطالت مدة حبسه ولم يحضر صاحبه ليأخذه، وقد جاء فى فتح القدير أن طول هذه المدة يقدر بثلاثة أيام [3] .
وعلل ذلك بأن دارة النفقة أى استمرارها مستأصلة ولا نظر فى ذلك للمالك بحسب الظاهر، واعتبره فى هذا بالضالة الملتقطة.
ولكن صاحب الفتاوى الأنقروية قد ذكر نقلا عن التترخانية أن مدة هذا الحبس تقدر بستة أشهر ثم يبيعه بعدها [4] .
أما آخذه، فإنه لا يصح له بيعه إلا إذا كان ذلك بأمر القاضى فقد جاء فى المبسوط: "دخل أخذ عبدا آبقا فباعه بغير إذن القاضى ثم أقام المولى بينة أنه عبده فإنه يسترده من المشترى والبيع باطل لأن الآخذ باعه بغير ولاية له فإن ولاية تنفيذ البيع له فى ملك الغير إنما تثبت بإذن المولى أو إذن القاضى بعد ما تثبت الولاية له فإذا باعه بدون إذن القاضى كان البيع باطلا ([5]) ".
المالكية:
يرى المالكية أن بيع المالك للآبق حال إباقه لا يصح إلا إذا علم المبتاع مكانه وإنه عند من يسهل أخذه منه وعلم صفته، فقد قال الدسوقى فى حاشيته على الشرح الكبير نقلا على المتيطى: " ويجوز بيع العبد الآبق إذا علم المبتاع موضعه وصفته وكان عند من يسهل خلاصه منه فإن وجد هذا الآبق على الصفة التى علمها المبتاع قبضه وصح البيع وإن وجده قد تغير أو تلف كان ضمانه من البائع ويسترجع المبتاع الثمن ([6]) ".
أما القاضى فله بيعه بعد مضى سنة والقاضى. هنا هو الإمام أو القاضى الذى أنابه عنه فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " فإن أخذه (أى الملتقط) رفعه إلى الأمام رجاء من يطلبه منه ووقف عند الإمام سنة: أى وينفق عليه فيها فإن أرسله فيها ضمن ثم إذا مضت السنة ولم يجئ ربه بأن الإمام: أى إذا لم يخش عليه قبلها وإلا بيع قبلها ولا يهمل أمره بل يكتب اسمه وحليته "أى أوصافه " مع بيان التاريخ والبلد وغير ذلك مما يحتاج إلى تسجيله ويشهد على ذلك ويجعل ثمنه فى بيت المال حتى يعلم ربه ويأخذ النفقة التى أنفقها عليه فى السنة من ثمنه ولا يلزمه الصبر إلى أن يحضر ربه وكذا أجرة الدلال ومضى بيعه وإذا قال ربه عند حضوره: كنت أعتقته سابقا قبل الإباق أو بعده لا يلتفت إلى قوله لاتهامه على نقض بيع القاضى ولكن إذا أقام بينة عمل بها ونقض البيع ([7]) ".
وأما الآخذ فلا يصح له بيعه فقد جاء فى حاشية الدسوقى والشرح الكبير: "ولا يلزمه (أى القاضى) الصبر (أى بنفقته وعدم بيعه) إلى أن يحضر ربه: أى بخلاف من أخذه لكونه يعرف ربه فإنه يلزمه الصبر بنفقته حتى يحضر دبه ولا يجوز له بيعه وأخذ نفقته من الثمن قبل أن يجئ ربه ([8]) ".
الشافعية:
يرى الشافعية أنه لا يصح للمالك بيع الآبق ولا الضال ولا الرقيق المنقطع خبره ولا المغصوب لأنه غير مقدور على تسليمه ولكنهم استثنوا بعض حالات يصبح فيها هذا البيع فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " الثالث
(أى من شروط البيع) إمكان تسليمه فلا يصح بيع الضال والرقيق المنقطع خبره والمغصوب من غير غاصبه للعجز عن تسليم ذلك حالا ... ثم قال: فإن باعه: أى المغصوب لقادر على انتزاعه دونه أو الآبق لقادر على رده دونه صح على الصحيح نظرا لوصوله إليهما إلا أن احتاجت قدرته إلى مؤنة فالظاهر البطلان. والثانى (أى المقابل للصحيح) لا يصح لأن التسليم واجب على البائع وهو عاجز عنه أما إذا كان البائع قادرا على انتزاعه أو رده فإنه يصح بلا خلاف إلا إذا كان فيه تعب شديد والأصح عدم الصحة " [9] .
أما الوالى ومن ينوب عنه كالقاضى فإنه يجوز له بيعه إذا كان قد وصل إليه فقد جاء فى الأم للشافعى: " وإذا كانت الضالة فى يدى الوالى فباعها فالبيع جائز ولسيد الضالة ثمنها فإن كانت عبدا فزعم سيد العبد أنه اعتقه قبل البيع قبلت قوله مع يمينه إن شاء المشترى يمينه وفسخت البيع وجعلته حرا ورددت المشترى بالثمن الذى أخذ منه.
قال الربيع: وفيه قول آخر أنه لا يفسخ البيع إلا ببينة تقوم لأن بيع الوالى كبيع صاحبة فلا يفسخ بيعه إلا ببينة أنه أعتقه قبل بيعه " [10] .
والشافعى قد جعل الآبق والضال متماثلان فى هذا الحكم لأنهما فى حكم اللقطة فقد جاء عنه فى الأم: " وإذا كان فى يدى رجل العبد الآبق أو الضال من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ".
الحنابلة:
يرى الحنابلة أنه يجوز للمالك بيع عبده الآبق فى بعض الحالات فقد جاء فى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى " ولا يجوز بيع المغصوب لعدم إمكان تسليمه فإن باعه لغاصبه أو القادر على أخذه منه جاز لعدم الغرر فيه ولا مكان قبضه، وكذلك إن باع الآبق لقادر عليه صح كذلك وإن ظن أنه قادر على استنقاذه ممن هو فى يده صح البيع فإن عجز عن استنقاذه منه فله الخيار بين الفسخ والإمضاء لأن العقد صح لكونه مظنون القدرة على قبضه وثبت له الفسخ للعجز عن القبض " [11] .
أما الإمام أو نائبه كالقاضى فإنه يبيعه إذا رأى المصلحة فى ذلك فقد جاء فى المغنى لابن قدامة:
" وإن لم يجد (أى الآخذ) سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة فى بيعه " [12] .
وأما الآخذ فإنه لا يجوز له بيعه فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإن باعه فالبيع فاسد" [13] .
الزيدية:
يرى بعض الزيدية أن بيع العبد الآبق لا يجوز ويرى بعض آخر أنه موقوف ويرى بعض ثالث أنه يجوز لمن يكون فى يده وهذا يظهر من عبارة صاحب البحر الزخار: عن الهادى والمؤيد بالله: ولا " معطوف على عدم جواز البيع فيما سبق " العبد الآبق والمسروق والفرس الشارد ونحوه، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر ... ثم نسب " إلى تخريج أبى العباس أحمد بن إبراهيم الهاشمى الحسنى الذى كان إماميا ثم تزيد وإلى المؤيد بالله أحمد بن الحسيين الحسنى الآملى وإلى أبى طالب يحى بن الحسين ": يصح موقوفا على التسليم لعموم: " وأحل الله البيع وحر م الربا " [14] مع خيار التعذر وقد رده صاحب البحر بقوله: " قلنا يلزم فى الطير " أى مع أن هؤلاء لم يقولوا به ونسب إلى العترة: " فأما إلى من أبق إليه فيجوز إذ لا غرر ([15]) " وخيار التعذر الذى ذكره هو الذى يكون للبائع والمشترى مدة ثلاثة أيام عند بيع ما يتعذر تسليمه فى الحال وقيل للمشترى فقط إن جهل لا إن علم [16] .
الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى أن بيع الآبق جائز: عرف مكانه أو لم يعرف دون تفصيل فى المشترى من حيث قدرته على أخذه أو معرفته لمكانه أو غير ذلك فقد جاء فى المحلى له: " وبيع العبد الآبق: عرف مكانه أو لم يعرف جائز وكذلك بيع الجمل الشارد: عرف مكانه أو لم يعرف وكذلك الشارد من سائر الحيوان ومن الطير المتفلت وغيره إذا صح الملك عليه قبل ذلك وإلا فلا يحل بيعه ثم قال: وكل ما ملكه المرء فحكمه فيه نافذ بالنص إن شاء وهبه وإن شاء باعه وإن شاء أمسكه وإن مات فهو موروث عنه [17] .
وقد بنى هذا على الملك كما تقدم وعلى أن التسليم ليس بلازم ولم يوجبه القرآن ولا السنة ولا دليل أصلا وإنما اللازم ألا يحول البائع بين المشترى وبين ما بيع له فقط ثم قال: " ويملكه المشترى ملكا صحيحا فإن وجده فذلك وإن لم يجده فقد استعاض الأجر الذى هو خير من الدنيا وما فيها وربحت صفقته [18] .
الشيعة الإمامية:
لا يصح عندهم بيع الآبق إلا إذا انضم إليه فى الصفقة شىء آخر مقدور التسليم وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام فقال: " الثالث (أى من شروط المبيع) أن يكون مقدورا على تسليمه فلا يصح بيع الآبق منفردا ويصح منضما إلى ما يصح بيعه ولو لم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع وكان الثمن مقابلا للضميمة " [19] .
الإباضية:
لا يجوز عندهم بيع العبد الآبق حال إباقه فقد جاء فى كتاب النيل: " والأكثر على منع بيع سمك فى بركة.. ثم قال: وذلك للجهل به وهو فى الماء، إذ لا يتبين فيه، ولأنه قد لا يملك قبضه، لامتناعه بالماء وأبق: بهمزة مفتوحة تليها باء مكسورة وهو الإنسان المملوك الهارب فى إباقته: بكسر الهمزة. ومثله بيع حيوان فى نفاره وهروبه) " [20] .
هل الإباق عيب فى العبد
الحنفية:
الإباق عيب فى العبد عندهم، بخلاف الهرب، اذ الإباق الهرب من غير ظلم السيد له أما الهرب فيكون إذا كان السيد قد ظلمه. قال صاحب الجوهرة نقلا عن الثعالبى: الآبق الهارب من غير ظلم السيد له، فإن هرب من الظلم لا يسمى آبقا، بل يسمى هاربا فعلى هذا الإباق عيب والهرب ليس بعيب [21] . وعلى ذلك يكون للمشترى رده بالعيب.
المالكية:
الإباق عند المالكية عيب فى العبد كالحنفية، فقد قال ابن رشد الجد فى المقدمات الممهدات حين الكلام على العيوب التى يرد بها. "وهذا فى العيوب التي تكون ظاهرة فى البدن، وأما ما لا يظهر: من الإباق والسرقة وما أشبه ذلك فادعى المبتاع أنه كان بالعبد قديما فقال ابن القاسم يحلف البائع واحتج بروايته عن مالك، وقال أشهب لا يمين عليه " وقد بين حكم البيع بوجود العيوب قديمة فقال: " فأما العيب القديم فيرد به فى القيام والرجوع بقيمته فى الفوات ([22]) ".
الشافعية:
كذلك يرى الشافعية إن الإباق عيب، ولكن لهم فيه تفصيل بينه صاحب المغنى فى شرحه للمنهاج وقال عند قول صاحب المنهاج (للمشترى الخيار لظهور عيب قديم كخصاء رقيق وزناه وسرقته وإباقه) : "أى كل منها، وإن لم يتكرر ولو تاب منها.. ثم قال: وما تقرر من أن السرقة والإباق مع التوبة عيب هو المعتمد.. خلافا لبعض المتأخرين.. ثم قال: واستثنى من إباق العبد ما لو خرج عبد من بلاد الهدنة بعد أن اسلم وجاء إلينا فللإمام بيعه، ولا يجعل بذلك إباقا من سيده موجبا للرد، لأن هذا الإباق مطلوب ([23]) ".
الحنابلة:
الإباق عيب فى العبد عندهم، وذلك إذا كان قد جاوز العاشرة، لأن الصبى العاقل يتحرز من مثل هذا عادة كتحرز الكبير، فوجوده منه فى تلك الحال يدل على أن الإباق لخبث فى طبعه وحد ذلك بالعشر، لأن النبى - صلى الله عليه وسلم- أمر بتأديب الصبى على ترك الصلاة عندها، والتفريق بينهم فى المضاجع لبلوغها. أما من دون ذلك فيكون هذا منه لضعف عقله وعدم تثبته [24] .
الزيدية:
يرى الزيدية إن الإباق عيب فى العبد يكون للمشترى الخيار معه، لأنه وصف مذموم تنقص به قيمة ما اتصف به عن قيمة جنسه السليم، فقد قال صاحب البحر " فى التمثيل للعيوب التى تنقص بها القيمة: نقصان عين كالعور، أو زيادة. كالإصبع الزائد ... أو حال كالبخر والإباق [25] .
ولكنه لا يكون عيبا إلا فى الكبير إذا عاد الإباق عند المشترى. قال فى البحر بصدد تعداد العيوب: " والإباق والصرع ونحوه، ولا يرد به حتى يعود مع المشترى لتجويز زواله 0 ولو أبق صغيرا ثم أبق عند المشترى كبيرا لم يرد لما ".. ثم قال منسوبا إلى الإمام: " وحد الكبر البلوغ، وقيل المراهقة. قلنا: البلوغ أضبط وأقيس ([26]) ".
الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى- كغيره من الفقهاء السابقين- أن الإباق عيب يرد به المبيع إن لم يبين له، فقد قال فى المحلى: " ومن اشترى عبدا أو أمة فبين له بعيب الإباق أو الصرع فرضيه فقد لزمه، ولا رجوع له بشيء: عرف مدة الإباق وصفة الصرع أو لم يبين له ذلك، لأن جميع أنواع الإباق إباق، وجميع أنواع الصرع صرع، وقد رضى بجملة إطلاق ذلك. فلو قلل له الأمر فوجد خلاف ما بين له بطلت الصفقة، لأنه غير ما اشترى. ولو وجد زيادة على ما بين لة فله الخيار فى رد أو إمساك، لأنه عيب لم يبين له ([27]) ".
الشيعة الإمامية:
يرون أن الإباق عيب فى العبد يرد به فى البيع إذا ثبت انه آبق عند بائعه، قال الطوسى فى تهذيب الأحكام رواية عن الرضى يقول: " يرد المملوك من أحداث السنة: من الجنون والجزام والبرص. فإذا اشتريت مملوكا فوجدت فيه شيئا من هذه الخصال ما بينك وبين ذى الحجة فرده على صاحبه. فقال له محمد بن على فأبق، قال: لا يرد إلا أن يقيم البينة أنه أبق عنده [28] .
الإباضية:
الإباق عندهم عيب فى العبد يرد به عند البيع، فقد جاء فى كتاب النيل- فى أثناء ذكر عيوب المبيع: " وإباقه، وغصب، وشرك [29] .
طريق ثبوت ملكية الآبق لمدعيها
وما يلزم فى ذلك
الحنفية:
إذا حبس الإمام الآبق فجاء رجل وادعاه يلزم أن يقيم بينة أنه عبده، فإذا أقامها يستحلفه بالله أنه باق غلى الآن على ملكه لم يخرج ببيع ولا هبة، فإذا حلف دفعه إليه.
وهذا الاستحلاف لاحتمال أنه عرض بعد علم الشهود بثبوت ملكه على وجه زواله بسبب لا يعلمونه. وإنما يستحلفه مع عدم وجود خصم يدعى لصيانة قضائه من الخطأ، ونظرا لمن هو عاجز عن النظر لنفسه من مشتر أو موهوب له. ثم إذا دفعة لة عن بينة ففى أولوية أخذ الكفيل وتركه روايتان وكذلك يثبت الملك بإقرار العبد أنه لة، فيدفعه له إذا أقر العبد بذلك. ولكن هنا يجب أن يأخذ من المدفوع إليه كفيلا رواية واحدة (30)
هذا إذا كان فى يد السلطان وهو الذى يدفعه إليه. أما إذا كان فى يد الآخذ له فإن الأوثق ألا يدفعه إليه إلا بأمر القاضى. فإذا دفعه بغير أمر القاضى فهلك فى يد المدفوع إليه ثم جاء رجل فاستحقه فله أن يضمن الدافع إن شاء. وإن شاء يضمن المدفوع إليه، فإن ضمن الدافع ينظر فإن كان الدافع حين دفعه إليه صدقه أنه له لا يرجع عليه بما ضمن. وإن كان حين دفعه كذبه، أو لم يكذبه ولما يصدقه، أو صدقه وضمن. فله أن يرجع عليه فى الآبق [31] .
وإذا دفعه بأمر القاضى لا يكون له أن يأخذ عليه كفيلا بعد ثبوت أنه له، وإذا دفعه يغير أمر بمجرد العلامة أو تصديق العبد الآبق أنه سيده كان له أن يأخذ كفيلا [32] .
المالكية:
يستحق - عندهم- سيد الآبق آبقه إن كان تحت يد ملتقطه بشاهد ويمين. وقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " واستحقه سيده من يد الملتقط إذا كان لا يعرف سيده فحضر إنسان وادعى إنه سيده فإنه يستحقه بشاهد ويمين (أى يمين المدعى أنه عبده) وأولى من الشاهد واليمين فى استحقاقه بهما الشاهدان، يستحقه بشهادتهما من غير يمين، ويأخذه مدعيه حوزا لا ملكا إن لم يكن إلا دعواه أنه عبدى إن صدقة العبد على دعواه. وذلك بعد الرفع للحاكم والإمهال فى الدفع له وهذا الإمهال يكون باجتهاد الحاكم. وكون مدعيه يأخذه حوزا لا ملكا فى حالة تصديق العبد له، إن لم يكن للمدعى إلا دعواه يقتضى أنه لا يجوز له بيعه ولا وطؤها إن كانت أمة وإن جاز له ذلك فيما بينه وبين الله إن كان صادقا [33] .
وكذلك له أخذه إن كذبه العبد على التفصيل الذى ذكره الدردير فى الشرح الكبير بقوله: " ومفهوم صدقه أنة إن كذبة أخذه أيضا إن وصفه ولم يقر العبد إنه لفلان، أو أقر وكذبه المقر له ([34]) ".
الشافعية:
إذا كان الآبق فى يد آخذه وجاء ربه يريد أخذه فالحكم فى ذلك كما قال الإمام الشافعى فى الأم: " وإذا كان فى يدى دجل العبد الآبق أو الضالة من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ليس عليه أن يدفعه إلا ببينة يقيمها. فإذا دفعها ببينة يقيمها عنده كان الاحتياط له ألا يدفعه إلا بأمر الحاكم، لئلا يقيم عليه غيره بينة فيضمن، لأنه إذا دفعه ببينة تقوم عنده فقد يمكن أن تكون البينة غير عادلة ويقيم الآخر بينة عادلة فيكون أولى. ثم قال: وإذا أقام رجل شاهدا على اللقطة أو ضالة حلف مع شاهده وأخذ ما أقام عليه بينة لأن هذا مال ([35]) ".
أما إذا كان فى يد القاضى فقد جاء فى كتاب الأم للشافعى ما يؤخذ منه حكم ثبوت الملكية لمدعيه فقد قال: " وإذا أقام الرجل بمكة بينة على عبد ووصفت البينة العبد، وشهدوا أن هذه صفة عبده، وأنه لم يبع ولم يوهب، أو لم نعلمه باع ولا وهب وحلف رب العبد- كتب الحاكم بينته إلى قاض بلد غير مكة فوافقت الصفة صفة العبد الذى فى يديه لم يكن للقاضى أن يدفعه إليه بالصفة ولا يقبل إلا أن يكون شهود يقدمون عليه فيشهدون عليه بعينه ([36]) "
فهذا يدل على أن القاضى الأول لا يدفعه إلى صاحبه إن كان عنده بمجرد الصفة بل لابد من بينة تقوم على النحو الذى ذكره: من وصف للعبد وإنه لم يبع ولم يوهب ويحلف رب العبد، أو يقيم شاهدا ويحلف ليكون له أخذه.
الحنابلة:
يرى الحنابلة أن العبد الآبق إذا جاء سيده يطلبه من آخذه رده إليه بعد أن يقيم بينة، أو يعترف العبد بأنه سيده. فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " فإذا أخذ الآبق فهو أمانة فى يده. إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه. وإن وجد صاحبه دفعه إلية إذا أقام به البينة أو اعترف العبد أنه سيده ([37]) ".
وإذا كان الآبق عند القاضى فإنه لا يدفعه لمدعيه إلا إذا أقام البينة على أنه له. فقد جاء فى المغنى ما يدل على هذا وهو: " فإذا أبق العبد فحصل فى يد حاكم فأقام سيده بينة عند حاكم بلد آخر أن فلانا الذى صفته كذا وكذا واستقصى صفاته- عبد فلان ابن فلان أبق منه فقبل الحاكم بينته، وكتب إلى الحاكم الذى عنده العبد: ثبت عندى إباق عبد فلان الذى صفته كذا وكذا قبل كتابه وسلم العبد ([38]) ".
وهذا يؤخذ منه أنه لا يثبت عند الحاكم الذى كتب إلا إذا أقيمت البينة وشهدت بأوصافه وأنه عبد فلان هذا، وأن الذى عنده العبد يكتفى بهذا الإثبات.
الزيدية:
لم نجد للزيدية كلاما خاصا بالآبق فى هذا الموضوع، ولكنهم يجعلون أخذه مستحبا كأخذ الضالة- كما قدمنا- وقد ذكرنا سابقا أن آخذ الضالة يعرف بها وأنه يجوز له أن يستبقيها عنده، وعلى هذا فماذا يجب عليه إذا جاء رب الضالة يطلبها؟
قد بين ذلك صاحب مفتاح الأزهار فقال:
" ولا يجوز للملتقط أن يرد الضالة إلى من ادعاها إلا أن يحكم له الحاكم أنه يستحقها ويجوز الحبس عمن لم يحكم له ببينة" ثم قال: " وحاصل الكلام فى المسألة أن مدعى اللقطة لا يخلو إما أن يكون له بينة أو لا إن كان له بينة وحكم بها حاكم لزم الملتقط ردها. فإن أقام غيره البينة بأنها له لم يلزم الملتقط له بشئ لانضمام الحكم إلى بينة خصمه. وإن لم يحكم له ببينة قال الفقيه أبو العباس: جاز الرد ولا يجب، وهو ظاهر كلام أبى طالب.. وأما إذا لم تكن له بينة، بل أتى بأمارتها وأوصافها ففى ذلك ثلاثة أقوال:
الأول: المذهب أنه لا يجوز الرد، قال - عليه السلام-: وظاهر كلام أصحابنا ولو غلب فى ظنه صدقه، لأن العمل بالظن فى حق الغير لا يجوز.
الثانى: ذكره فى شرح الإبانة قال فيه: يجوز الرد بالعلامة ولا يجب فى قول عامة أهل البيت.
الثالث: أنه يجب، وقد ذكر هذا منسوبا للهادى والمؤيد بالله: أنه يجب فيما بينه وبين الله تعالى، لأن العمل بالظن واجب ([39]) ".
أما إذا كانت فى يد الحاكم فلم نجد نصا صريحا فيه، ولكن جاء فى البحر الزخار أن القاضى لا يحكم باستحقاقه لة إلا إذا أقام البينة بأنه ملكه. فقد جاء فى البحر الزخار: " ويحكم بالبينة العادلة الكاملة ما لم تعارض إجماعا، وفى تأكيدها باليمين خلاف ([40]) ".
الظاهرية:
يبين ابن حزم الظاهرى طريق ثبوت ملكية من يدعى العبد الآبق بقولة فى المحلى عند كلامه فى الآبق واللقطة والضالة: وأن اللقطة ما وجد من مال سقط أى مال كان بقوله: " فإن جاء من يقيم بينة، أو من يصف عفاصه
(أى الوعاء الذى يكون فيه الملتقط من جلد أو خرقه أو نحوها إن كان فى وعاء) ويصدق فى صفته، ويصفه وعاءه، ويصدق فيه ويصف رباطه ويصدق فيه ويعرف عدده ويصدق فيه، أو يعرف ما كان له من هذا: أما العدد والوعاء إن كان لا عفاصه له ولا وكاء (الرباط) أو العدد إن كان منثورا فى غير وعاء دفعه إليه كانت له بينة أو لم تكن ([41]) ".
ولا شك أن التعريف للعبد بأوصافه يكون كالتعريف بالعفاص والوكاء ونحوها. وإذن يكون إثبات الملكية عنده بالبينة أو الوصف. كما يشعر به ما سبق أن ذكرناه فى حكم أخذ الآبق. من أنه يبقى عند واجدة أو الحاكم حتى يجئ صاحبه ويعرفه فهو يرى أنه لا ضرورة لإقامة البينة لثبوت ملكيته للآبق بل يكفى وصفه.
الشيعة الإمامية:
عندهم أن الآبق والضال لا يصح أخذه، ولو أخذه يرده لصاحبه، وإلا دفعة إلى الحاكم، فإذا جاء صاحب العبد لزم أن يقيم بينة. وقد قال صاحب شرائع الإسلام: " ومن وجد عبده فى غير مصره فأحضر من شهد على شهوده بصفته لم يدفع إليه لاحتمال التساوى فى الأوصاف، ويكلف إحضار الشهود ليشهدوا بالعين. ولو تعذر إحضارهم لم يجب حمل العبد إلى بلدهم ولو رأى الحاكم ذلك صلاحا جاز ([42]) ".
حكم الإباق من يد كل من المستأجر والمرتهن
والغاصب والوصى
الكلام هنا يتعلق بالجعل والضمان: أما الجعل فقد سبق الكلام عليه وأما الضمان فتفصيله كما يلى:
الحنفية:
أما المستأجر فإن الحنفية يرون أنه لا ضمان عليه ما دامت يده يد أمانة فلا يكون ضامنا له بإباقه إلا إذا كان ذلك ناشئا عن تعد منه، فقد جاء فى جامع الفصولين: "لو قال إذا جاء غد فقد أجرتك هذه الدابة فحمل المستأجر على الدابة فى الليل، فلما طلعت الشمس تلفت لم يضمن، إذ صار غاصبا بحمله، إلا أنه عند طلوع الفجر انعقدت الإجارة فصارت اليد يد أمانة ([43]) ". وأما المرتهن فإنه يكون مضمونا عليه إذا أبق منه بالأقل من قيمته ومن الدين فقد جاء فى جامع الفصولين: " ولو رهن قنا فابق سقط الرهن. فلو وجده عاد رهنا ويسقط من الدين بحسابه لو كان أول إباق له ولو أبق قبل ذلك لا يسقط من الدين شىء ([44]) ".
والمراد من أنه يسقط من الدين بحسابه هو أنة يسقط من الدين بقدر نقصانه الذى هو عيب الإباق وقد بين هذا صاحب التنوير وشارحه صاحب الدر المختار وابن عابدين بقولهم: " ولو أبق عبد الرهن وجعله الراهن أو القاضى بالدين ثم عاد يعود الدين إلا بقدر نقصان عيب الإباق ([45]) ".
وأما الغاصب فإنه يكون ضاما له فيلزم بقيمته فقد قال صاحب جامع الفصولين: " ولو رهن قنا فأبق فجعله القاضى بما فيه ثم ظهر القن قال أبو يوسف رحمه الله هو رهن كما كان وقال زفر هو للمرتهن كغاصب ضمن القيمة ([46]) ".
وأما الوصى فإنه إذا أبق منه العبد فإنه لا ضمان عليه لأن يده على مال الموصى عليه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدى ([47]) ".
المالكية:
يرون أن يد المستأجر يد أمانة فلاضمان عليه إلا بالتقصير أو التعدى. وعليه فإباق العبد من يد المستأجر إن لم يكن بتفريط فى حفظه أو بسبب اعتداء عليه منه لا يجعله ضامنا. وقد بين ذلك الدردير فى الشرح الكبير والدسوقى فى حاشيته عليه، إذ جاء فيهما: " وهو: أى من تولى المعقود عليه أو من تولى العين المؤجرة: من مؤجر بالفتح كراع، ومستأجر كمكترى الدابة ونحوها- أمين فلا ضمان عليه إن ادعى الضياع أو التلف: كان مما يغاب عليه (أى يمكن إخفاؤه وكتمه) أولا. ويحلف إن كان منهما لقد ضاع وما فرطت. ولا يحلف غيره (أى غير المتهم) وقيل يحلف ما فرطت: أى يحلف على التفريط فقط 0 ولا يحلف على الضياع، بل يصدق فيه من غير حلف عليه، لأن الضياع ناشىء عن تفريطه غالبا. فيكفى حلفه ما فرطت. وفى المسألة قول ثالث وهو أنه يحلف على الضياع والتفريط ([48]) ".
وأما المرهون فلا يكون مضمونا على المرتهن إلا إذا كذبه شهود فى دعواه أنه أبق. فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " لو كان الرهن بيد المرتهن وهو مما لا يغاب عليه (أى لا يمكن إخفاؤه وكتمه) كدور وعبيد والحال أنه لم يحصل من المرتهن تعد فلا ضمان على المرتهن ولو اشترط الراهن عفى المرتهن ثبوت الضمان عليه، خلافا لا شهب الذى قال: أنه يعمل بالشرط، إلا أن يكذبه عدول. وحلف المرتهن فيما يغاب عليه وأولى فيما لا يغاب عليه- لأنه إذا حلف فيما يضمنه فأولى فيما لا يضمنه ([49]) "0
وأما المغصوب فان غاصبة يتعلق به الضمان من يوم استيلائه عليه والحيلولة بينه وبين مالكه. أما الضمان بالفعل فإنما يكون إذا حصل مفوت ولو بسماوى أو جناية غير الغاصب عليه، فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " وضمن الغاصب المميز بالاستيلاء على المغصوب: عقارا أو غيره: أى تعلق الضمان بالغاصب بهذا الاستيلاء: أى الحيلولة بينه وبين مالكه، ولا يحصل الضمان بالفعل إلا إذا حصل مفوت ولو بسماوى أو جناية غيره ([50]) "وإباق العبد مفوت له [51] .
وأما الوصى فإنه أمين فى مال موليه فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى [52] .
الشافعية:
يرى الشافعية أن يد المستأجر على العين المستأجرة يد أمانة فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " ويد المكترى على المستأجر من الدابة والثوب وغيرهما يد أمانة مدة الأجارة جزما، فلا يضمن ما تلف فيهما بلا تقصير، إذ لا يمكن استيفاء حقه إلا بوضع اليد عليها ([53]) ".
وهذا يقتضى أن العبد إذا أبق لا يكون مضمونا على المستأجر إلا إذا كان إباقه بتقصير من المستأجر أوبتعد عليه سبب هذا الإباق.
وكذلك المرتهن فإنه لا يضمن إذا تلف إلا بتقصير أو تعد كما فى المستأجر ولا يسقط من ديته شىء به فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " وهو (أى المرهون) أمانة فى يد المرتهن، لخبر (الرهن من راهنه) : أى من ضمان راهنه له غنمه وعليه غرمه. ثم قال: فلو شرط كونه مضمونا لم يصح الرهن، ولا يسقط بتلفه شىء من ديته ([54]) " وأما المغصوب إن أبق فإنه يكون مضمونا على الغاصب فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى وعلى الغاصب الرد للمغصوب على الفور عند التمكن وإن عظمت المؤنة فى رده.. ثم استدل على هذا بحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه ([55]) " وأما الوصى إذا أبق منه عبد موليه فلا يضمن لأن يده يد أمانة إلا بالتقصير أو التعدى [56] .
الحنابلة:
يرى الحنابلة أن العين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر، فإذا أبق منه العبد المستأجر دون تقصير فإنه لا يكون مضمونا عليه إلا بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " والعين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر. إن تلفت بغير تفريغ لا يضمنها. ثم قال: ووجهه أنه عقد لا يقتضى الضمان فلا يقتضى رده ومؤنته كالوديعة " [57] .
أما المرتهن فإنه كالمستأجر لا ضمان عليه إلا بالتقصير أو التعدى، فقد جاء فى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى: " أن الرهن إذا تلف فى يد المرتهن فإن كان تلفة بتعد أو تفريط فى حفظه ضمنه، لا نعلم فى ذلك خلافا، لأنه أمانة فى يده، فلزمه ضمانه إذا تلف بتعديه، أو تفريطه كالوديع. فأما إن تلف بغير تعد منه ولا تفريط فلا ضمان عليه وهو من مال الراهن " [58] .
وإباق العبد إن لم يكن تلفا فهو دونه فلا يضمن من باب أولى إلا إذا قصر فى المحافظة عليه.
وأما الغاصب فان الآبق يكون مضمونا عليه فقد جاء فى المغنى: " أن من غصب شيئا يعجز عن رده كعبد أبق أو دابة شردت فللمغصوب منه المطالبة ببدله فإذا أخذه ملكه ولا يملك الغاصب العين المغصوبة بل متى قدر عليها لزمه ردها ويسترد قيمتها التى أداها " [59] .
وأما الوصى فإن يده على مال موليه يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى [60] .
الزيدية:
يرون أن المستأجر العين غير ضامن لها ما لم يشترط الضمان عند العقد [61] .
كما أنه يضمن إذا كان إباقه بعد انتهاء مدة الإجارة المتفق عليها وقبل رده إلا لعذر فقد جاء فى البحر الزخار: " وعلى المستأجر الرد إذ لا وجه لإمساكها بعد استيفاء الحق ثم قال: فإن لم يرد (أى العين المستأجرة) ضمنها وأجرتها وإن لم ينتفع كالمغصوب إلا لعذر " [62] .
وأما المرتهن فإنه يكون ضامنا لما ارتهنه ولو تلفه بآفة سماوية ومن باب أولى بالتعدى فقد قال صاحب البحر الزخار: " ومتى جنى عليه المرتهن ضمنه إجماعا لقوله - صلى الله علية وسلم -: " على اليد ما أخذت حتى ترد" ثم قال زيد بن على: والقاسمية وكذا إن تلف بآفة سماوية لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمرتهن الفرس فنفق ذهب حقك " [63] .
وأما الغاصب فإنه يضمنه إذا أبق ويكون ضمانه بقيمته فقد جاء فى البحر الزخار: " وإذا أبق المغصوب فهو فى ضمان الغاصب حتى يقبضه المالك وإن جهله، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (على اليد ما أخذت حتى ترد) [64] .
ويعتبر فى قيمته أوفر القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف، فقد جاء فى البحر الزخار: " وفى تالف القيمى أوفر القيم من الغصب إلى التلف، إذ هو مطالب فى كل وقت ([65]) "0
وأما الوصى فهو أمين على ما فى يده من مال المولى عليه، فلا يضمن إلا بالتعدى أو التقصير فى الحفظ، وقد جاء فى ذلك قول صاحب البحر الزخار: " ويعمل باجتهاده، إذ هى ولاية، إلا فيما عين له ". ثم قال: " ويضمن بمخالفة الموصى وبالجناية والتفريط فى الحفظ ([66]) ".
الظاهرية:
يرون أن يد المستأجر يد أمانة فلا يضمن [67] .
أما إذا أبق العبد من يد المرتهن فلا ضمان، بل يبقى دينه على الراهن، ويتبعه المرتهن به، فقد قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى: " فإن مات الرهن أو تلف أو أبق العبد أو فسد أو كانت أمة فحملت من سيدها أو أعتقها أو باع الرهن أو وهبه أو تصدق به أو أصدقه فكل ذلك نافذ، وقد بطل الرهن، وبقى الدين كله بحسبه ([68]) ".
وأما الغاصب فإن الآبق مضمون عليه إن لم يرد. وقد بين هذا ابن حزم الظاهرى بقوله: " لا يحل لأحد مال مسلم ولا مال ذمى إلا بما أباح الله - عز وجل - على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى القرآن أو السنة نقل ماله عنه إلى غيره، أو بالوجه الذى أوجب الله به تعالى أيضا كذلك نقله عنه إلى غيره، كالهبات الجائزة والتجارة الجائزة أو القضاء الواجب بالديات والتقاص، وغير ذلك مما هو منصوص، فمن أخذ شيئا من مال غيره أو صار إليه بغير ما ذكرنا: فإن كان عامدا عالما بالغا مميزا فهو عاص لله - عز وجل -، وإن كان غير عالم أو غير عامد أو غير مخاطب فلا إثم عليه، إلا أنهما سواء فى الحكم فى وجوب رد ذلك إلى صاحبه، أو فى وجوب ضمان مثله إن كان ما صار إليه قد تلفت عينه، أو لم يقدر عليه ([69]) ".
الشيعة الإمامية:
العين المستأجرة عندهم يد المستأجر لها يد أمانة لا يضمن إلا بالتعدى قال صاحب شرائع الإسلام: " إذا تعدى فى العين المستأجرة ضمن قيمتها وقت العدوان ([70]) " 0 فالأساس فى الضمان عندهم التلف بالعدوان، وهذا يقتضى أن العبد إذا أبق بسبب تعديه يكون ضامنا، لأن الإباق تلف، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " لو فك القيد عن الدابة فشردت، أو عن العبد المجنون فأبق ضمن، لأنه فعل يقصد به الإتلاف ([71]) ".
وأما المرتهن فقد ذكرنا نص كلام الطوسى فى أنه لا ضمان عليه إذا أبق بدون تسبب منه، أما إذا تسبب فى إباقه فإنه يكون ضامنا. ويكون ضمانه بقيمته يوم قبضه، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " إذا فرط فى الرهن وتلف لزمه قيمته يوم قبضه، وقيل يوم هلاكه، وقيل أغلى القيم، فلو اختلفا فى القيمة كان القول قول الراهن، وقيل القول قول المرتهن وهو الأشبه أى الذى تدل عليه أصول المذهب [72] .
وأما الغاصب فإن يده على الغصوب يد ضمان ويجب عليه رده ولو تعسر، والآبق متعسر الرد، وواجب عليه رده، فكل ما أنفقه على رده يكون ملزما به. كما أنه يكون ضامنا له إذا أبق، لأن الإباق تلف، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " فإن تلف المغصوب (ولا شك أن الإباق تلف) ضمنه الغاصب بمثله إن كان مثليا، فإن تعذر المثل ضمن قيمته يوم الإقباض لا يوم الإعواز أى المرافعة إلى الحاكم ". ولو أعوز فحكم الحاكم فزادت أو نقصت لم يلزم ما حكم به الحاكم، وحكم بالقيمة يوم تسليمها، لأن الثابت فى الذمة ليس إلا المثل، فإن لم يكن مثليا ضمن قيمته يوم الغصب، وهو اختيار الأكثر. وقال بعضهم يضمن أعلى القيم من حين الغصب إلى حين اختلف، وهو حسن ([73]) ".
وأما الوصى فإنه لا ضمان عليه إلا إذا قصر فى المحافظة عليه، أو تعدى، لأنه أمين وقد قال فى ذلك صاحب شرائع الإسلام: " والوصى أمين لا يضمن ما يتلف إلا عن مخالفته لشرط الوصية أو تفريط ([74]) " 0
الإباضية:
يرون أن العبد إذا أبق من مستأجره لا يكون ضامنا، لأن يده يد أمانة، فلا ضمان عليه ما لم يكن إباق بتقصير منه أو تعد. ولكن جاء فى شرح النيل ما يدل على ضمان المستأجر فى رأى، فقد جاء فيه: " وضمن الأجير: أراد به ما يشمل المكترى.. ثم علل ذلك بقوله: إن الأجير والمكترى كليهما بمعنى واحد. وهو الذى فى يده مال غيره على أجر معلوم للعمل ([75]) ".
وأما إذا أبق من يد مرتهن فقد جاء ما يتعلق بذلك فى النيل وشرحه: " إن ضاع رهن بيد مرتهن بلا تعد منه ولا تضييع فقيل: لا يرجع أحدهما على الآخر بشىء مطلقا: زاد الدين على قيمة الزمن أو نقص ... ثم قال: وقيل: يترادان الفضل وقيل يرجع المرتهن على الراهن بما زاد الدين على الرهن إن زاد لا عكسه إن زاد الرهن على الدين، لأن المرتهن أمين فيه. ثم قال: وإن شرط الراهن أن تكون المصيبة على المرتهن فى الكل أو فى مقدار الرهن فهما على شرطهما ([76]) ".
وأما إذا أبق من يد وصى فإنه لا ضمان عليه، لأن يده يد أمانة، إلا إذا قصر فى حفظه أو تعدى عليه بما قد أدى إلى إباقه، فقد جاء فى النيل وشرحه: " فإن قبلها، أى قبل الوصية، لزمته حالة كونها أمانة فى عنقه، وليجتهد فى إنفاذها، لوجوب أداء الأمانة إلى أهلها ([77]) ".
عتقه قبل الرد
الحنفية:
لو أعتق المولى عبده الآبق قبل استلامه من الراد صح عقه، وصار بهذا العتق قابضا لة، ولذا يجب الجعل للراد، لأن الإعتاق إتلاف للمالية فيصير كما لو قبضه ثم اعتقه، وذلك كما فى العبد المشترى فإنه يصح أن يعتقه قبل أن يقبضه ويصير بإعتاقه قابضا، ولذا يجب عليه الثمن [78] .
المالكية:
كذلك يرى المالكية أن عتق العبد حال إباقه وقيل الرد جائز، فقد قال الدردير فى الشرح الكبير: " وله، أى لرب الآبق عتقه حال إباقه والتصدق به والإيصاء به للغير وهبته لغير ثواب، أى لغير عوض ([79]) ".
الشافعية:
كذلك يرى الشافعية جواز عتق الآبق، فقد جاء فى المغنى شرح المنهاج " ولو اعتق المالك رقيقه قبل رده، قال ابن الرفعة: يظهر أن يقال: لا أجرة للعامل إذا رده بعد العتق وإن لم يعلم، لحصول الرجوع ضمنا: أى فلا أجرة لعمله بعد العتق تنزيلا لإعتاقه منزلة فسخ ([80]) ".
وهذا يدل على أن عتق الآبق جائز، ولا جعل لمن رده بعد العتق.
الحنابلة:
عتق العبد عندهم جائز ولازم بمجرد العقد، فإذا عتق السيد عبده الآبق قبل الرد جاز، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " وإن باعه الإمام، أى الآبق، لمصلحه رآها فى بيعه فجاء سيده واعترف أنه كان أعتقه قبل منه ". فقوله هنا: " كان أعتقه " صادق بأنه أعتقه حين الإباق أو قبله [81] .
الزيدية:
يرى الزيدية أن عتق الآبق حال إباقه جائز، إذ أنهم إنما يعتمدون على ملك المعتق [82] .
الظاهرية:
يرى ابن حزم الظاهرى أن العتق يعتمد على ملك المعتق للمعتق له [83] .
الشيعة الإمامية:
يرون أن عتق السيد لآبقه جائز متى كان ممن يملك العتق، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " ويعتبر فى المعتق الإسلام والملك ".
ثم قال: " ولو أعتق غير المالك لم ينفذ عتقه ([84]) ".
آباق العبد من أخذه قبل الرد
الحنفية:
إذا أبق العبد من آخذه فإن كان قد أخذه ليرده فلا ضمان عليه إذا كان قد أشهد أنه أخذه ليرده، لأن يده حينئذ يد أمانة. أما إذا لم يشهد فإنه يضمن، لأنه حينئذ فى حكم الغاصب [85] .
وكذلك يكون ضامنا له إذا أبق منه فى الطريق وكان قد استعمله فى حاجة نفسه [86] .
المالكية:
يرى المالكية أن الآبق إذا أبق من ملتقطه لا ضمان عليه إلا إذا كان متعديا فقد جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير: " إن من التقط آبقا ثم بعد أخذه أبق من عنده أو أنه مات عنده أو تلف فلا ضمان عليه لربه إذا حضر حيث لم يفرط، لأنه أمين ولا يمين عليه.
أما إذا فرط كما لو أرسله فى حاجة يأبق فى مثلها فأبق فإنه يضمن [87] .
الشافعية:
يد الراد على الآبق يد أمانة فلا يضمن إلا بالتفريط، فقد جاء فى المغنى على المنهاج: " يد العامل على ما يقع فى يده إلى أن يرده يد أمانة. فإن خلا الآبق بتفريط ضمن لتقصيره ([88]) ".
الحنابلة:
لا ضمان على الراد إن أبق منه دون تلف ودون تفريط فى حفظه، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " فإذا أخذه فهو أمانة فى يده إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه ([89]) ".
الزيدية:
لا ضمان على آخذه إذا أبق منه قبل رده [90] .
الشيعة الإمامية:
يرون أن العبد إذا أبق من ملتقطه لا ضمان عليه، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " ولو التقط مملوكا، ذكرا أو أنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه، ولو أبق منه أوضاع من غير تفريط لم يضمن، ولو كان بتفريط ضمن، ولو اختلف فى التفريط ولا بينة فالقول قول الملتقط بيمينه ([91]) ".

[1] ج 11 ص 20 طبعة الساسى.
[2] ج 11 ص 28 الطبعة السابقة.
[3] ج 4 ص 43 الطبعة الأميرية.
[4] الفتاوى الأنقروية ج 1 ص 198 الطبعة الأميرية.
[5] المبسوط ج 11 ص 26 طبعة الساسى
[6] حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 11 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
[7] المرجع السابق ج 4 ص 127 الطبعة السابقة.
[8] المرجع السابق ج 4 ص 127 الطبعة السابقة.
[9] ج 2 ص 13 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر
[10] ج 4 ص 68 نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
[11] ج 4 ص 28 طبعة المنار سنة 1347هجرية.
[12] ج 1 ص 357 الطبعة السابقة.
[13] ج 4 ص 257 الطبعة السابقة.
[14] سورة البقرة: 275.
[15] ج 3 ص 313 الطبعة الأولى سنة 949.
[16] ج 3 ص 354 الطبعة السابقة.
[17] ج ص 288 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
[18] ج 389 الطبعة السابقة.
[19] ج 166 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
[20] ج 4ص 73.
[21] الجوهرة على القدورى ج 1 ص 466 طبعة الأستانة.
[22] ج ص 254 ’ 255طبعة الساسى.
[23] ج 2 ص 50 طبعة مصطفى الحلبى.
[24] المغنى لابن قدامه ج 4 ص 276، 277 الطبعة الأولى لمطبعة المنار سنة 1347 هجرية.
[25] ج 2 ص 355.
[26] ج 3 ص 357.
[27] ج 9 ص 73 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
[28] ج 7 ص 63 طبعة مطبعة النعمان بالنجف.
[29] ج 4 ص 240.
(30) فتح القدير ج 4 ص 434، 435 الطبعة الأميرية.
[31] الفتاوى الأنقروية نقلا عن النتف ج 1 ص 198 طبعة دار الطباعة المصرية ببولاق سنة 1281هجرية.
[32] الفتاوى الأنقروية الجزء والصفحة السابق ذكرهما نقلا عن فتاوى ابن نجيم.
[33] الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 128.
[34] الجزء والصفحة السابقة.
[35] ج 4 ص 67 نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
[36] ج 4 الصفحة والطبعة السابقة.
[37] ج 6 ص 357 طبعة المنار سنة 1347 هجرية.
[38] ج 6 ص 257 الطبعة السابقة.
[39] ج 4 ص 62، 63 الطبعة الثانية سنة 1358 هجرية.
[40] ج 4 ص 396 الطبعة السابقة.
[41] ج 8 ص 257 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
[42] ج 2 ص 177 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
[43] ج 2 ص 156 الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية.
[44] ج 2ص 162 الطبعة السابقة.
[45] ج 5 ص 330 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
[46] ج 2 ص 162 الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية.
[47] الزيلعى على الكنز ج 3 ص 310 الطبعة الأميرية.
[48] ج 4 ص24 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
[49] ج 3 ص 255 الطبعة السابقة.
[50] ج 3 ص 443 الطبعة السابقة.
[51] ج 3 ص 447 الطبعة السابقة والمربع السابق.
[52] المرجع السابق ج 4 ص 454 الطبعة السابقة.
[53] ج 2 ص 351 طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده.
[54] ج ص 136 ’ 137 الطبعة السابقة.
[55] ج 2 ص 276، 277 الطبعة السابقة.
[56] ج 3 ص 78 الطبعة السابقة.
[57] ج 6 ص 117 طبعة المنار سنة 1347 هجرية.
[58] ج 4 ص 467 وقد وضع بذيل المغنى.
[59] ج 5 ص 417 الطبعة السابقة.
[60] ج ص 372 الطبعة السابقة.
[61] البحر الزخار ج 4 ص 63 طبعة سنة 1949.
[62] ج 4 ص 33 الطبعة السابقة.
[63] ج 4 ص 113 الطبعة السابقة.
[64] ج 4 ص 187 الطبعة السابقة.
[65] ج 4 ص 175 الطبعة السابقة.
[66] ج 4 ص 332، 333 الطبعة السابقة.
[67] المحلى ج 8 ص 183.
[68] ج 8 ص 93 الطبعة السابقة
[69] المحلى ج 8 ص 134، 135 الطبعة السابقة.
[70] ج 1 ص 237 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
[71] ج 2 ص 151 الطبعة السابقة.
[72] ج 1 ص 198 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
[73] ج 2 ص 152 الطبعة السابقة.
[74] ج 1 ص 264 الطبعة السابقة.
[75] ج 5 ص 162.
[76] ج 5 ص 544.
[77] ج 6 ص 493.
[78] الهداية وفتح القدير والعناية ج 4 ص 438 الطبعة الأميرية.
[79] ج 4 ص 127 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
[80] ج 4 ص 434 طبعة مصطفى ألباب الحلبى وأولاده.
[81] ج 4 ص 357 طبعة المنار سنة 1347 هجرية.
[82] البحر الزخار ج 4 ص 192 الطبعة الأولى سنة 1949.
[83] المحلى ج 8 ص 185.
[84] ج 2 ص 93.
[85] الكنز وشرح الزيلعى عليه " تبيين الحقائق " ج 3 ص 309
[86] الفتاوى الأنقروية نقلا عن شرح المجمع لابن ملك ج 1 ص 198.
[87] ج 4 ص 128 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
[88] ج 2 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى.
[89] ج 6 ص 357 طبعة المنار سنة 1347.
[90] البحر الزخار ج 4 ص 63 طبعة سنة 1949.
[91] ج 2 ص 173 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
اسم الکتاب : موسوعة الفقه المصرية المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 10
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست