responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 94
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى يَعْتَمِلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ فَبَيِّنٌ كَقَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُفْرِدْ الصَّدَقَةَ دُونَ مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، بَلْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَهَكَذَا نَقُولُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي بَاتَ بِهِ الضَّيْفُ فَقَدْ رُوِّينَاهُ بِبَيَانٍ لَائِحٍ، كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نا أَبُو كُرَيْبٍ نا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ - هُوَ فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ - عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُضِيفَهُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا لِضَيْفِهِ فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يُضِيفُ هَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو طَلْحَةَ، فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى رَحْلِهِ» ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ، كَمَا رَوَاهُ جَرِيرٌ، وَوَكِيعٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ - فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ أَبَا طَلْحَةَ وَهُوَ مُوسِرٌ مِنْ مَيَاسِيرِ الْأَنْصَارِ.
وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَقَدْ لَا يَحْضُرُ الْمُوسِرَ أَكْلٌ حَاضِرٌ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ فَمُنْقَطِعٌ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا السَّنَدِ بَيَانًا، كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ نا أَبُو الْوَلِيدِ الْأَنْطَاكِيُّ نا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ حَائِطِي صَدَقَةٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ، فَأَتَى أَبُوهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا كَانَ لَنَا عَيْشٌ غَيْرُهَا، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ - يَعْنِي عَلَى الْأَبِ - فَمَاتَ فَوَرِثَهَا - يَعْنِي الِابْنُ عَنْ أَبِيهِ -» فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ السَّنَدِ - وَفِيهِ رَدُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتِلْكَ الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَ لَا عَيْشَ لِأَبِيهِ إلَّا مِنْهَا، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الِابْنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ غِنًى غَيْرُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ إحْدَى طَرِيقَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَالثَّانِيَةُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْفَرْوِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ الصَّغِيرِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إبَاحَةُ الصَّدَقَةِ مَا لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ تَحْرِيمِهَا فَكَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَكَانَ النَّصُّ الَّذِي قَدَّمْنَا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَارِدًا بِالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الصَّدَقَةِ، فَهُوَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ نَاسِخٌ لِمَا يَقْدُمُهُ، وَمَنْ ادَّعَى فِيمَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَاسِخٌ أَنَّهُ قَدْ نُسِخَ، فَقَدْ كَذَبَ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَرَامَ إبْطَالَ الْيَقِينِ بِالظَّنِّ الْإِفْكِ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 94
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست