responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 9
سِيَّمَا وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ يَجْعَلُونَ الشُّفْعَةَ فِي الصَّدَاقِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ، فَهَلَّا قَاسُوا الْبَيْعَ عَلَى الْبَيْعِ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الصَّدَاقِ عَلَى الْبَيْعِ؟ وَالْمَالِكِيُّونَ يَرَوْنَ الشُّفْعَةَ فِي الثَّمَرَةِ دُونَ الْأُصُولِ، فَهَلَّا قَاسُوا غَيْرَ الثَّمَرَةِ عَلَى الْعَقَارِ كَمَا قَاسُوا الثَّمَرَةَ عَلَى الْعَقَارِ، لَا سِيَّمَا مَعَ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ بِذَلِكَ قَبْلَهُ.
ثُمَّ كُلُّهُمْ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ، فِي أَنَّهُمْ لَا يُسْقِطُونَ حَقَّ لِلشَّرِيكِ فِي الشُّفْعَةِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ أَخْذَ الشِّقْصِ بِمَا يُعْطَى فِيهِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَكَيْفَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ خَبَرٍ حُجَّةً، لَا سِيَّمَا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَجْعَلُهُ حُجَّةً فِيمَا هُوَ فِيهِ مَنْصُوصٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا.
وَأَمَّا اللَّفْظُ الَّذِي فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْأَرْضِ، وَالْعَقَارِ، وَالْبِنَاءِ.
بَلْ الْحُدُودُ وَاقِعَةٌ فِي كُلِّ مَا يَنْقَسِمُ مِنْ طَعَامٍ، وَحَيَوَانٍ، وَنَبَاتٍ، وَعُرُوضٍ، وَإِلَى كُلِّ ذَلِكَ طَرِيقُ ضَرُورَةٍ، كَمَا هُوَ إلَى الْبِنَاءِ وَإِلَى الْحَائِطِ وَلَا فَرْقَ، وَكَانَ ذِكْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْحُدُودِ وَالطُّرُقِ إعْلَامًا بِحُكْمِ مَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ عَلَى حَسْبِهِ، فَكَيْفَ وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ بَيَانٌ كَافٍ فِي أَنَّ الشُّفْعَةَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مَالٍ يُقْسَمُ، وَفِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، وَهَذَا عُمُومٌ لِجَمِيعِ الْأَمْوَالِ مَا احْتَمَلَ مِنْهَا الْقِسْمَةَ وَمَا لَمْ يَحْتَمِلْهَا.
وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ بِهَذَا الْحُكْمِ " الْأَرْضَ " فَقَطْ؛ ثُمَّ يُجْمِلُ هَذَا الْإِجْمَالَ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ لَا بِالْإِبْهَامِ وَالتَّلْبِيسِ هَذَا أَمْرٌ لَا يَتَشَكَّلُ فِي عَقْلِ ذِي عَقْلٍ سِوَاهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 9
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست