responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 526
فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ بِرَأْيِهِ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَمِنْ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا بَيِّنَةَ أَبْيَنُ مِنْهَا صِحَّةُ عِلْمِ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ حَقِّهِ، فَهُوَ فِي جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ.
وَاحْتَجُّوا بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى رَجُلًا يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: سَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلًّا وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَكَذَّبْت نَفْسِي» - فَقَالُوا: فَعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ يَلْزَمُنَا شَرْعُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ يُخَرَّجُ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ يَسْرِقُ أَيْ يَأْخُذُ الشَّيْءَ مُخْتَفِيًا بِأَخْذِهِ، فَلَمَّا قَرَّرَهُ حَلَفَ، وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا، لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ ظَالِمٍ لَهُ.
وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا» - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْحَاكِمِ أَبْيَنُ بَيِّنَةٍ وَأَعْدَلُهَا وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] .
وَلَيْسَ مِنْ الْقِسْطِ أَنْ يَتْرُكَ الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ لَا يُغَيِّرُهُ.
وَأَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ يُعْلِنُ الْكُفْرَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ، وَالْإِقْرَارَ بِالظُّلْمِ، وَالطَّلَاقِ، ثُمَّ يَكُونُ الْحَاكِمُ يُقِرُّهُ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَيَحْكُمُ لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ، فَيَظْلِمُ أَهْلَ الْمِيرَاثِ حَقَّهُمْ.
وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ إنْ عَلِمَ بِجُرْحَةِ الشُّهُودِ - وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ غَيْرُهُ، أَوْ عَلِمَ كَذِبَ الْمُجَرِّحِينَ لَهُمْ - فَإِنَّهُ يَحْكُمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ - فَقَدْ تَنَاقَضُوا.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» وَالْحَاكِمُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ مَا رَأَى مِنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى تَأْتِيَ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 526
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست