responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 432
قُلْنَا: هُوَ حَقٌّ كَمَا هُوَ.
وَكُلَّمَا أَرَدْتُمْ أَنْ تُشَرِّعُوا أَنْتُمْ فِيهِ تَشْبِيهًا لَهُ بِحُكْمٍ آخَرَ دُونَ نَصٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ بَحْتٌ لَا يَحِلُّ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ أَشْيَاءَ أُخَرَ، وَلَا أَنْ يُوجِبَ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ أَشْيَاءَ أُخَرَ -: فَهَذَا كُلُّهُ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِنْ ادَّعَوْا فِي جَوَازِ ذَلِكَ إجْمَاعًا.
قُلْنَا: هَذَا الْكَذِبُ وَالْبَهْتُ، بَلْ الْإِجْمَاعُ قَدْ صَحَّ عَلَى بُطْلَانِ كُلِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى تَصْدِيقِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] .
وَعَلَى تَصْدِيقِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] .
وَفِي هَذَا بُطْلَانُ الْحُكْمِ بِمَا عَدَا الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةَ.
ثُمَّ نَقَضَ مَنْ نَقَضَ فَأَخْطَأَ قَاصِدًا إلَى الْخَيْرِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ أَلْبَتَّةَ إلَى وُجُودِ حُكْمٍ طُولَ مُدَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِيَاسٍ أَصْلًا، وَلَا بِرَأْيٍ أَلْبَتَّةَ، وَكُلُّ شَرْعٍ حَدَثَ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْكُمْ هُوَ بِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، وَلَيْسَ مِنْ الدِّينِ أَلْبَتَّةَ، قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَمَا كَمُلَ فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُزَادَ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلًا، وَلَا سَبِيلَ أَلْبَتَّةَ إلَى أَنْ يُوجَدَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْأَمْرُ بِالْقِيَاسِ فِي الدِّينِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ أَبَدًا.
وَأَيْضًا - فَمُدَّعِي الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا لَا يَتَيَقَّنُ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَقَدْ عَرَفَهُ وَقَالَ بِهِ: كَاذِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ آمَنُوا، وَسَمِعُوا الْقُرْآنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمْ صَحَابَةٌ وَفُضَلَاءُ، فَمَنْ لِهَذَا الْمُدَّعِي بِالْبَاطِلِ بِإِجْمَاعِ أُولَئِكَ، فَكَيْفَ وَإِحْصَاءُ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا تُحْصَرُ إلَّا حَيْثُ لَا يُشَكُّ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَقَدْ عَرَفَهُ.
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ، وَمَا يُدْرِيهِ لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ -:

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 432
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست