responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 390
فَإِنْ قِيلَ: لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ؟ قِيلَ: فَذَلِكَ النَّصُّ يُوجِبُ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ - وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِك الْفَاسِدِ - وَهَذَا نَفْسُهُ يَدْخُلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي تَقْدِيمِهِ ذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا؟ وَأَمَّا قَوْلُ مَالك: فَأَفْحَشُهَا تَنَاقُضًا، وَأَوْحَشُهَا وَأَشَدُّهَا فَسَادًا؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ بَعْضَ الْفَرَائِضِ عَلَى بَعْضٍ بِلَا بُرْهَانٍ، فَقَدَّمَ بَعْضَ التَّطَوُّعِ عَلَى بَعْضِ الْفَرَائِضِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَصَارَ كُلُّهُ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الْأَدِلَّةِ أَصْلًا، مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ؟ نَعْنِي: ذَلِكَ التَّرْتِيبَ الَّذِي رَتَّبَ - وَأَطْرَفُ شَيْءٍ قَوْلُهُ " إقْرَارُهُ لِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ " فَكَيْفَ يَجُوزُ مَا هُوَ مُقِرٌّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَحْرِمَ وَرَثَتَهُ مَالَهُ إلَّا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَضَعَ فُرُوضَهُ، ثُمَّ يُوصِيَ بِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ؟ قُلْنَا لَهُ: إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إثْمُهُ، وَلَا تُسْقِطُ عَنْهُ مَعْصِيَتُهُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى؛ إذْ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِ مِنْ أَجْلِ مَا ذَكَرْتُمْ.
ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: هَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِهَذَا الِاحْتِجَاجِ نَفْسِهِ إذْ قُلْتُمْ: إنَّ دُيُونَ النَّاسِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؟ فَنَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ هَذَا لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَحْرِمَ وَرَثَتَهُ إلَّا أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لِمَنْ شَاءَ بِمَا يَسْتَوْعِبُ مَالَهُ، ثُمَّ يَظْهَرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا فَرْقَ.
وَيُقَالُ لَكُمْ أَيْضًا: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يُبْطِلَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقَ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ؟ وَيُهِنِّي ذَلِكَ وَرَثَتَهُ إلَّا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ؟ ثُمَّ إنَّ اعْتِرَاضَهُمْ بِذَلِكَ الْمَذْكُورِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِأَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَرَائِضِهِ، فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا أَعْرِفَنَّ امْرَأً بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ حَتَّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ يُدَغْدِغُ مَالَهُ هَاهُنَا وَهَا هُنَا» ؟ قُلْنَا: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنَدْ قَطُّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُقُوطُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ بُخْلِهِ بِهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ؟ إنَّمَا فِيهِ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَى

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 390
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست