responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 387
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا عُرِّيَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا مِنْ الْبُرْهَانِ لَزِمَنَا أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجِزْ الْوَصِيَّةَ إلَّا بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فَأَقَلَّ: أَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَ إنْفَاذُ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَوَجَدْنَا مَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ عَلَى عِلْمٍ وَقَصْدٍ، وَإِمَّا مُخْطِئًا مَعْفُوًّا عَنْهُ الْإِثْمُ إنْ كَانَ جَهِلَ ذَلِكَ، وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَحِلُّ إنْفَاذُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا إمْضَاءُ الْخَطَأِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال: 8] .
وَوَجَدْنَا الْمُوصِيَ إذَا أَوْصَى فِي وَجْهٍ مَا بِمِقْدَارٍ مَا دُونَ الثُّلُثِ فَقَدْ وَجَبَ إنْفَاذُ كُلِّ مَا أَوْصَى بِهِ، كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَاطِلًا لَا يَحِلُّ إنْفَاذُهُ - فَصَحَّ نَصُّ قَوْلِنَا حَرْفًا حَرْفًا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَنْ قَالَ هَذَا قَبْلَكُمْ؟ قُلْنَا لَهُ: إنْ كَانَ حَنِيفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا وَمَنْ قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِأَقْوَالِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّ أَقْوَالَهُمَا لَا يُوَافِقُهُمَا نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ، وَقَوْلُنَا هُوَ نَفْسُ مَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَإِنَّمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ عَنْ عَشَرَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَوَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُمْ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ، فَأَيْنَ أَقْوَالُ سَائِرِهِمْ؟ فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ بِتَبْدِيَةِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ الْمُوصِي أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمَا، وَمَا نَقُولُ هَذَا مُتَكَثِّرِينَ بِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُسْتَوْحِشِينَ إلَى سِوَاهُ، وَلَكِنْ لِنُرِيَ الْمُخَالِفَ فَسَادَ اعْتِرَاضِهِ، وَفَاحِشَ انْتِقَاضِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ الْمُوصِي بِشَيْءٍ، لَكِنْ قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ: يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ ذَلِكَ، فَهَاهُنَا يَتَحَاصُّونَ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا الثُّلُثُ فَيَجُوزُ لَهُمْ مَا أَجَازَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَبْطُلُ لَهُمْ مَا أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْقُرَبِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 387
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست