responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 253
طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، مِمَّا يُسَمَّى مَالًا فِي أَوَّلِ عَقْدٍ لِلْكِتَابَةِ، وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ.
فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ كُلِّفَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ الْغُرَمَاءِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَنَاقَضَ، فَرَأَى قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] عَلَى النَّدْبِ - وَرَأَى وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] عَلَى الْوُجُوبِ - وَهَذَا تَحَكُّمٌ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَجِدْ فِيهِ عَدَدًا مَا أَحَدُهُمَا: مَوْكُولٌ إلَى السَّيِّدِ، وَالْآخَرُ: مَوْكُولٌ إلَيْهِ وَإِلَى الْعَبْدِ بِالْمَعْرُوفِ، مِمَّا لَا حَيْفَ فِيهِ وَلَا مَشَقَّةَ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: كِلَا الْأَمْرَيْنِ نَدْبٌ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] أَمْرٌ لِلسَّيِّدِ وَلِغَيْرِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَطَأٌ. أَمَّا قَوْلُهُمْ " كِلَا الْأَمْرَيْنِ نَدْبٌ " فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: افْعَلُوا، عَلَى: لَا تَفْعَلُوا إنْ شِئْتُمْ - وَلَا يَفْهَمُ هَذَا الْمَعْنَى أَحَدٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ - وَهَذِهِ إحَالَةٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ وَرَدَ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " إنَّهُ أَمْرٌ لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ " فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] .
فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِالْكِتَابَةِ لَهُمْ: هُمْ الْمَأْمُورُونَ بِإِتْيَانِهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ، لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ غَيْرَ هَذَا - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَتَحَكُّمُهُمْ بِالدَّعْوَى بِلَا دَلِيلٍ.
وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ: أَنَّهُ حَثَّ عَلَيْهِ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَرَ بِذَلِكَ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ، فَهَؤُلَاءِ رَأَوْهُ وَاجِبًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ، وَالْمُغِيرَةِ، قَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ ثُمَّ اتَّفَقَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَوْلَاهُ وَالنَّاسَ أَنْ يُعِينُوا الْمُكَاتَبَ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 253
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست