responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 244
كَذَلِكَ فِي دِيَتِهِ، وَقُولُوا بِمِثْلِ هَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ، فَكَيْفَ وَأَصْلُكُمْ هَذَا بَاطِلٌ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَكُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ، إلَّا أَنَّ سَيِّدَهُ، لَا يَنْتَزِعُ مَالَهُ، وَلَا يَسْتَخْدِمُهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالتَّكَسُّبِ فَقَطْ، كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْأَمَةِ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُبَاعُ أَبَدًا، وَلَا تُوهَبُ أَبَدًا، وَلَا تَعُودُ إلَى حُكْمِ الرِّقِّ أَبَدًا. وَقَالُوا أَيْضًا: هَذَا الْمَالُ كَانَ مَوْقُوفًا لِعِتْقِ جَمِيعِهِمْ، فَكَانَ كَأَنَّهُ لَهُمْ؟ فَقُلْنَا: فَاجْعَلُوهُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ بِهَذَا الدَّلِيلِ، وَلَا تَقْسِمُوهُ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ، وَأَدْخِلُوا فِيهِ كُلَّ مَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ بِهَذَا الدَّلِيلِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا نَدْرِي كَيْفَ انْشَرَحَتْ نَفْسُ أَحَدٍ لِقَبُولِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى شِدَّةِ فَسَادِهِ، مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ فَاسِدٌ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتَبَ أَحَدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ بَاطِلٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا مَاتَ عَبْدًا، وَإِذَا مَاتَ عَبْدًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْحُرِّيَّةُ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا، فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ بِدَقِيقَةٍ، فَإِنَّهُ مَاتَ عَبْدًا، وَلَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَمَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ، فَإِنَّمَا بَنَوْا عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ - وَهَذَا قَوْلٌ قَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَهُ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَشْرَعُ فِيهِ الْعِتْقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ فَصَحَّ أَنَّ لِذَلِكَ الْبَعْضِ حُكْمَ الْحُرِّ وَلِبَاقِيهِ حُكْمُ الْعَبْدِ فِي الْمِيرَاثِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا حَمْلُ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ بَعْضُهَا كَمَا قَدَّمْنَا فَلَهُ حُكْمُهَا وَأَمَّا إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ غَيْرُهَا قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] وَهُوَ عِنْدَ ذَلِكَ ذَكَرٌ وَهِيَ أُنْثَى، أَوْ أُنْثَى غَيْرِهَا، فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لَهَا حُكْمُ الْأُمِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَجَزْتُمْ عِتْقَ جَمِيعِ الْمُكَاتَبِ إذْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ عَتَقَ كُلُّهُ» وَأَوْجَبْتُمْ الِاسْتِسْعَاءَ بِذَلِكَ الْخَبَرِ؟

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 244
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست