responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 19
مَرْدُودٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَتُقْلَعُ أَنْقَاضُهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا الْمُخَاصِمُ الْمَانِعُ، فَإِنَّ هَذَا غَاصِبٌ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ، مَانِعٌ حَقَّ غَيْرِهِ بِلَا مِرْيَةٍ، فَإِنْ تَرَكَ الشَّرِيكُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ وَصَحَّ، وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهُ، وَكَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ، هَذَا إذَا كَانَ إيذَانُهُ الشَّرِيكَ مُمْكِنًا لَهُ، أَوْ لِلْبَائِعِ حِينَ اشْتَرَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيذَانُ الشَّرِيكِ مُمْكِنًا لِلْبَائِعِ لِعُذْرٍ مَا، أَوْ لِتَعَذُّرِ طَرِيقٍ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لِلشَّرِيكِ مَتَى طَلَبَهَا، وَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْغَلَّةِ حِينَئِذٍ، لَكِنَّ كُلَّ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَمَفْسُوخٌ وَيُقْلَعُ بُنْيَانُهُ وَلَا بُدَّ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي أَوْرَدْنَا قَبْلُ «لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ» فَلَا يَخْلُو بَيْعُ الشَّرِيكِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ، لَا رَابِعَ لَهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا وَإِنْ صَحَّحَهُ الشَّفِيعُ بِتَرْكِهِ الشُّفْعَةَ وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْغَلَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ أَوْ تَرَكَ، وَالْخَبَرُ يُوجِبُ غَيْرَ هَذَا، بَلْ يُوجِبُ أَنَّ الشَّرِيكَ أَحَقُّ، وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَ فَلَهُ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لَاحْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ وَهَذَا خَطَأٌ، أَوْ يَكُونُ صَحِيحًا حَتَّى يُبْطِلَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَخْذِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَصْلُحُ» فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا مَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ، أَوْ يَكُونَ مَوْقُوفًا، فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ بَاطِلًا، وَإِنْ تَرَكَ حَقَّهُ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ صَحِيحًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِبُطْلَانِ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلِينَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الشَّرِيكُ أَحَقُّ»
فَصَحَّ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَقًّا بَعْدَ حَقِّ الشَّفِيعِ.
فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ فِي هَذَا: مَتَى كَانَ الشَّفِيعُ أَحَقَّ، أَحِينَ أَخَذَ أَمْ حِينَ رَدَّ الْبَيْعَ؟ فَإِنْ قَالُوا: مِنْ حِينِ أَخَذَ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَعَلَهُ أَحَقَّ حِينَ الْبَيْعِ، فَإِذْ هُوَ أَحَقُّ حِينَ الْبَيْعِ فَإِذَا أَخَذَ فَقَدْ أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ إعْلَامُ الشَّرِيكِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 19
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست