responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 11
وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ مَالِكٌ، فَرَأَى الشُّفْعَةَ فِي التِّينِ، وَالْعِنَبِ، وَالزَّيْتُونِ، وَالْفَوَاكِهِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ، وَلَيْسَتْ دَارًا، وَلَا عَقَارًا، وَلَا تُرْبَةً وَرَأَى ابْنُ شُبْرُمَةَ الشُّفْعَةَ فِي الْمَاءِ.
وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ فِي إجْبَارِهِمْ الشَّرِيكَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَعَ شَرِيكِهِ، وَلَمْ يُوجِبْ قَطُّ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا أَثَرٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ، ثُمَّ لَا يُوجِبُ لَهُ الشُّفْعَةَ، وَقَدْ جَاءَ بِهَا النَّصُّ.
وَعَجَبٌ آخَرُ مِنْهُمْ، وَمِنْ الْحَنَفِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ: الْمُسْنَدُ كَالْمُرْسَلِ سَوَاءٌ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: بَلْ الْمُرْسَلُ أَقْوَى، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا: أَحْسَنَ الْمَرَاسِيلِ بِإِيجَابِ الشُّفْعَةِ فِي الْجَارِيَةِ وَفِي الْخَادِمِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي الْعَبْدِ شُفْعَةٌ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ» وَمَا نَعْلَمُ فِي الْمُرْسَلَاتِ أَقْوَى مِنْ هَذَا فَخَالَفُوهُ، وَمَا عَابُوهُ إلَّا بِإِرْسَالٍ؟ فَأَيُّ دِينٍ، أَوْ أَيُّ إحْيَاءٍ، يَبْقَى مَعَ هَذَا؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.
وَأَمَّا سُقُوطُ حَقِّ الشَّرِيكِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ الْأَخْذَ فَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ حَاشَا الطَّحَاوِيَّ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، قَالُوا: لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَمْ تَجِبْ لَهُ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ؟ فَتَرْكُهُ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ إذَا وَجَبَ، مَا لَهُمْ حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا.
وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ: أَوَّلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إنَّ الشُّفْعَةَ لَمْ تَجِبْ لَهُ بَعْدُ، فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَغَيْرَ الشُّفْعَةِ مِنْ أَحْكَامِ الدِّيَانَةِ كُلِّهَا لَا تَجِبُ إلَّا إذَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَمَا لَمْ يَجِئْ هَذَا الْمَجِيءَ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ الدِّينِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ حَقَّ الشَّفِيعِ بِعَرْضِ الشُّفْعَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَأَسْقَطَ حَقَّهُ بِتَرْكِهِ الْأَخْذَ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ حَقًّا أَصْلًا، إلَّا بِأَنْ لَا يَعْرِضَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ يَبْقَى لَهُ الْحَقُّ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَإِلَّا فَلَا هَذَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلْيَأْتُونَا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ الْأَخْذَ لَا يَجِبُ لِلشَّفِيعِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَطْ، وَهَذَا مَا لَا يَجِدُونَهُ أَبَدًا فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ مِنْ كَثَبٍ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 8  صفحة : 11
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست