responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 435
أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّينَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ كَافِرًا بِقَوْلِ ذَلِكَ، فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ النَّبِيِّ الَّذِي بِهِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمُوهُ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَمَعْنَى دُعَاءِ ذَلِكَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ: إنَّمَا هُوَ بِأَنْ يُؤْمِنُوا فَيَغْفِرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ، وَيُبَيِّنَ أَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا بِهِ قَوْلُهُ " فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " فَصَحَّ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ بِنُبُوَّتِهِ. فَصَحَّ أَنَّ كِلَا الْخَبَرَيْنِ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.
وَأَمَّا سَبُّ اللَّهِ تَعَالَى - فَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يُخَالِفُ فِي أَنَّهُ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ، إلَّا أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ، وَالْأَشْعَرِيَّةَ - وَهُمَا طَائِفَتَانِ لَا يُعْتَدُّ بِهِمَا - يُصَرِّحُونَ بِأَنَّ سَبَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِعْلَانَ الْكُفْرِ، لَيْسَ كُفْرًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَكِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ الْكُفْرَ، لَا أَنَّهُ كَافِرٌ بِيَقِينٍ بِسَبِّهِ اللَّهَ تَعَالَى - وَأَصْلُهُمْ فِي هَذَا أَصْلُ سُوءٍ خَارِجٌ عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ - وَإِنْ أَعْلَنَ بِالْكُفْرِ - وَعِبَادَةُ الْأَوْثَانِ بِغَيْرِ تَقِيَّةٍ وَلَا حِكَايَةٍ، لَكِنْ مُخْتَارًا فِي ذَلِكَ الْإِسْلَامَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ - لَا كَافِرٌ وَلَا مُؤْمِنٌ - فِي أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ أَنَّهُ وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ ادَّعُوا أَنَّهُ نُقِصَ مِنْهُ، وَحُرِّفَ، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ جُمْلَتَهُ - كَمَا ذَكَرْنَا.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ فِيهِ التَّسْمِيَةَ بِالْكُفْرِ، وَالْحُكْمُ بِالْكُفْرِ قَطْعًا عَلَى مَنْ نَطَقَ بِأَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] .

وقَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} [التوبة: 74] .
فَصَحَّ أَنَّ الْكُفْرَ يَكُونُ كَلَامًا.
وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْكُفْرِ عَلَى إبْلِيسَ - وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ مِنْ نَارٍ وَخَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ - وَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ وَكَرَّمَهُ عَلَيْهِ - وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى النَّظِرَةَ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 435
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست