responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 336
فَإِنْ كَانَتْ مُقَدِّمَةُ الْآيَةِ حُجَّةً بِوُجُوبِ الْإِحْسَانِ إلَى الْأَبَوَيْنِ فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ عَنْهُمَا - إذَا سَرَقَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ - فَهِيَ حُجَّةٌ أَيْضًا - وَلَا بُدَّ - فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ عَنْ كُلِّ ذِي قُرْبَى، وَعَنْ ابْن السَّبِيلِ، وَعَنْ الْجَارِ الْجُنُبِ، وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ - إذَا سَرَقُوا مِنْ أَمْوَالِنَا - وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ؟ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ، وَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ.
وَأَيْضًا - فَالْأَمْرُ بِالْإِحْسَانِ لَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، بَلْ إقَامَتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ، بِنَصِّ الْقُرْآنِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] وَقَدْ أَمَرَنَا بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، فَإِقَامَتُهَا عَلَى مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ إحْسَانٌ إلَيْهِ، وَإِنَّهَا تَكْفِيرٌ وَتَطْهِيرٌ لِمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ.
وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ إمَامًا لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ أُمٌّ فَسَرَقَا، فَإِنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ إقَامَةُ الْقَطْعِ عَلَيْهِمَا. فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِالْآيَةِ جُمْلَةً وَصَحَّ أَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] فَحَقٌّ - وَمِنْ الشُّكْرِ إقَامَةُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ يَقْتَضِي شُكْرُهُمَا إسْقَاطُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِمَا وَاَلَّذِي أَمَرَ بِشُكْرِهِمَا - تَبَارَكَ اسْمُهُ - هُوَ الَّذِي يَقُولُ {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] .
فَصَحَّ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقِيَامِ عَلَيْهِمْ بِالْقِسْطِ، وَبِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ.
وَمِنْ الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ إقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] الْآيَةَ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْهُمْ فِي سَرِقَةٍ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وَلَمْ يَكُنْ وُجُوبُ الرَّحْمَةِ لِبَعْضِنَا مُسْقِطًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ.
فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» فَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ: أَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مَنْسُوخٌ، قَدْ صَحَّ نَسْخُهُ بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 336
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست