responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 33
إنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْحُدُودَ كُلَّهَا خَالَفَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا، وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ لِذَلِكَ قَبْلَ هَذَا بِأَبْوَابٍ يَسِيرَةٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إسْقَاطُ الْحُدُودِ عَلَى مَنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ، أَوْ ارْتَدَّ، وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ الْكُفَّارِ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
فَإِنْ قَالُوا: بَلَى، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنْهُمْ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِهِمْ؟ قُلْنَا: لَهُمْ هَذَا وَاضِحٌ، وَبُرْهَانُ ذَلِكَ: إجْمَاعُكُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ، بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ الْكِتَابِيِّ الَّذِي يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ إذَا أَدَّى الْجِزْيَةَ صَاغِرًا وَتَذَمَّمَ، وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُرْتَدِّ جِزْيَةٌ أَصْلًا عِنْدَكُمْ، وَأَنَّهُ لَا تُنْكَحُ الْمُرْتَدَّةُ بِخِلَافِ الْمُشْرِكَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ الْكِتَابِيِّ، وَلَا يُسْتَرَقُّ الْمُرْتَدُّ إنْ سُبِيَ كَمَا يُسْتَرَقُّ الْمُشْرِكُ إنْ سُبِيَ - فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ بِبُطْلَانِ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ فَأَبْطَلْتُمْ أَنْ يُقَاسَ الْمُرْتَدُّ عَلَى الْكَافِرِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ لَا تَقِيسُوهُ عَلَيْهِمْ فِي سُقُوطِ الْحُدُودِ، فَهُوَ أَحْوَطُ لِقِيَاسِكُمْ، وَلَاحَ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - لَا النَّصَّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ اتَّبَعُوا، وَلَا الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَلَا تَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ مِنْ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ فَقَطْ - وَهَذَا حَقٌّ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا يُسْتَرَقُّ إجْمَاعًا: دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَهْلِ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ أَوْ كَذِبِهِ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَعَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ إنْ ارْتَدَّ إلَى دَيْنٍ صَابِئٍ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْتَدَّةَ إذَا لَحِقَتْ بِأَرْضِ الْحَرْبِ سُبِيَتْ وَاسْتُرِقَّتْ وَلَمْ تُقْتَلْ، وَلَوْ أَنَّهَا هَاشِمِيَّةٌ أَوْ عَبْشَمِيَّةٌ.
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ: أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْ اسْأَلْهُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ،

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 33
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست