responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 31
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يُسْقِطُ عَنْ اللَّاحِقِ بِالْمُشْرِكِينَ لِحَاقُهُ بِهِمْ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي أَصَابَهَا قَبْلَ لِحَاقِهِ، وَلَا الَّتِي أَصَابَهَا بَعْدَ لِحَاقِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْحُدُودَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَرْسَلَهَا وَلَمْ يُسْقِطْهَا.
وَكَذَلِكَ لَمْ يُسْقِطْهَا عَنْ الْمُرْتَدِّ، وَلَا عَنْ الْمُحَارِبِ، وَلَا عَنْ الْمُمْتَنِعِ، وَلَا عَنْ الْبَاغِي، إذَا قُدِرَ عَلَى إقَامَتِهَا عَلَيْهِمْ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .
وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ إعْنَاتًا لَنَا، وَلَا أَهْمَلَهُ، وَلَا أَغْفَلَهُ، فَإِذْ لَمْ يُعْلِمْنَا بِذَلِكَ فَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَرَادَ قَطُّ إسْقَاطَ حَدٍّ أَصَابَهُ لَاحِقٌ بِالشِّرْكِ قَبْلَ لِحَاقِهِ، أَوْ أَصَابَهُ بَعْدَ لِحَاقِهِ بِهِمْ، أَوْ أَصَابَهُ مُرْتَدٌّ قَبْلَ رِدَّتِهِ أَوْ بَعْدَهَا، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ هَذَا فَمُخْطِئٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ.
وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ بِإِسْقَاطِهِ، وَهُوَ مَا أَصَابَهُ أَهْلُ الْكُفْرِ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَتَذَمَّمُوا أَوْ يُسَلِّمُوا فَقَطْ، فَهَذَا خَارِجٌ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، فَلَمْ يُؤَاخِذْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا سَلَف لَهُمْ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ زِنًا، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ بِذَلِكَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] .
فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ الْكُفَّارِ بِلَا شَكٍّ فَإِذْ هُوَ مِنْهُمْ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ.
وَذَكَرُوا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا الضَّحَّاكُ - يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ النَّبِيلَ - أَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ شُمَامَةَ الْمَهْرِيِّ ثنا مُضَرٌ ثنا «عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ يَبْكِي طَوِيلًا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قَالَ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: اُبْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، فَقَبَضْتُ يَدِي فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، فَقَالَ: تَشْتَرِطُ مَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْكَلَامِ

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 31
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست