responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 271
وَلَيْسَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَدْرِيَ أَنَّ قَاذِفَهُ لَمْ يَكْذِبْ ثُمَّ يُطَالِبُهُ بِمَا يُطَالِبُ بِهِ أَهْلَ الْكَذِبِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ قَدْ آذَاهُ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي الْأَذَى حَدٌّ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ.

[مَسْأَلَة قَذَفَ زَوْجَتَهُ فَأَخَذَ فِي اللِّعَانِ ثُمَّ أَعَادَ قذفها قَبْل أَنْ تتم التعانها]
2254 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ فَأَخَذَ فِي اللِّعَانِ، فَلَمَّا شَرَعَ فِيهِ وَمَضَى بَعْضُهُ - أَقَلُّهُ، أَوْ أَكْثَرُهُ، أَوْ جُلُّهُ - أَعَادَ قَذْفَهَا قَبْلَ أَنْ تُتِمَّ هِيَ الْتِعَانَهَا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ ابْتِدَاءِ اللِّعَان؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ. فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى الِالْتِعَانَ إلَّا بَعْدَ رَمْيِ الزَّوْجَةِ، فَلَا بُدَّ بَعْدَ رَمْيِ الزَّوْجَةِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، كَمَا أَمَرَ بِهِ، وَهِيَ مَا لَمْ تُتِمَّ الْتِعَانَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْتِعَانِهِ زَوْجَتَهُ كَمَا كَانَتْ، فَهُوَ فِي تَجْدِيدِ قَذْفِهَا رَامٍ زَوْجَتَهُ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَهَادَةِ أَرْبَعِ شَهَادَاتٍ وَالْخَامِسَةِ، فَإِنْ أَبَى وَنَكَلَ: حُدَّ الْمَقْذُوفُ وَلَا بُدَّ - فَإِنْ رَمَاهَا بِزِنًا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهِ حُدَّ وَلَا لِعَانَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]
وَلَيْسَ مِنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُكَلَّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَيْمَانٍ كَاذِبَةٍ، يُوقِنُ مَنْ حَضَرَ أَوْ الْحَاكِمُ: أَنَّهُ فِيهَا قَاذِفٌ، فَهَذَا عَوْنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ وَلَا فُرْقَةَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَتِمَّ الْتِعَانُهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. فَلَوْ رَمَاهَا وَأَيْقَنَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ بِاللِّعَانِ أَيْضًا، لَكِنْ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ - كَمَا كَانَتْ - يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا فُرْقَةَ إلَّا بَعْدَ الْتِعَانِهِمَا. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لَا لِعَانَ فِيمَنْ رَمَى امْرَأَتَهُ بِزِنًا مُمْكِنٍ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَادِقًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَاذِبًا - فَأَمَّا إذَا تُيُقِّنَ كَذِبُهُ فَلَا يَحِلُّ تَعْطِيلُ وَاجِبِ حَدِّ اللَّهِ عَنْهُ، وَلَا يَحِلُّ عَوْنُهُ عَلَى الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ الْآثِمَةِ، وَلَا يَحِلُّ أَمْرُهُ بِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة قَذَفَ جَمَاعَةً أَوْ وُجِدَ يَطَأُ النِّسَاءَ الْأَجْنَبِيَّاتِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ]
2255 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً، أَوْ وُجِدَ يَطَأُ النِّسَاءَ الْأَجْنَبِيَّاتِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَوْ وُجِدَ يَسْرِقُ مَرَّاتٍ، أَوْ رُئِيَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ مَرَّاتٍ، فَشَهِدَ بِكُلِّ ذَلِكَ، فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِهِ فِي قَذْفِهِ مَنْ قَذَفَ إلَّا وَاحِدًا، أَوْ صَدَّقَهُ جَمِيعُهُمْ، إلَّا وَاحِدًا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي قَذْفِ أَلْفٍ أَوْ فِي قَذْفِ وَاحِدٍ: حَدٌّ وَاحِدٌ، وَلَا مَزِيدَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أُولَئِكَ اللَّوَاتِي وُجِدَ يَطَأُهُنَّ إمَاؤُهُ إلَّا وَاحِدَةً، فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا بِأَلْفٍ، أَوْ فِي الزِّنَا بِوَاحِدَةٍ: حَدٌّ وَاحِدٌ، وَلَا مَزِيدَ، عَلَى مَا قَدَّمْنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى كُلِّ مَا سَرَقَ: أَنَّهُ مَالُهُ أَخَذَهُ حَاشَ بَعْضَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي أَلْفِ سَرِقَةٍ، وَفِي سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ: حَدٌّ وَاحِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا شَرِبَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ فِي غَيْرِ عَقْلِهِ، أَوْ كَانَ فِي ضَرُورَةٍ لِعِلَاجٍ أَوْ غَيْرِهِ، إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً: فَعَلَيْهِ جَلْدُ الْأَرْبَعِينَ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي شُرْبِ أَلْفِ مَرَّةٍ، وَفِي جَرْعَةٍ: حَدٌّ وَاحِدٌ، كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 271
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست