responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 27
شَرِبَ الْخَمْرَ الْجَلْدُ الْمَأْمُورُ بِهِ، فَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ مَتَى زَنَى ثَانِيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ ثَانٍ، وَإِذَا سَرَقَ ثَانِيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ قَطْعٌ ثَانٍ، وَإِذَا قَذَفَ ثَانِيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ ثَانٍ، وَإِذَا شَرِبَ ثَانِيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ ثَانٍ وَلَا بُدَّ - وَهَكَذَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] الْآيَةَ.
وقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ.
وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ» فَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَيَكْفُرُ مَنْ أَنْكَرَ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: فَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِ، فَهَذَا وَهْمُ أَصْحَابِنَا، وَلَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا، لَكِنْ نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ بِنَفْسِ الزِّنَى، وَلَا بِنَفْسِ الْقَذْفِ، وَلَا بِنَفْسِ السَّرِقَةِ، وَلَا بِنَفْسِ الشُّرْبِ، لَكِنْ حَتَّى يَسْتَضِيفَ إلَى ذَلِكَ مَعْنًى آخَرَ - وَهُوَ ثَبَاتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، إمَّا بِعِلْمِهِ، وَإِمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، وَإِمَّا بِإِقْرَارِهِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَا يَلْزَمُهُ حَدٌّ، لَا جَلْدٌ، وَلَا قَطْعٌ أَصْلًا.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: هُوَ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ الْحُدُودُ الْمَذْكُورَةُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ لَكَانَ فَرْضًا عَلَى مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى نَفْسِهِ لِيَخْرُجَ مِمَّا لَزِمَهُ، أَوْ أَنْ يُعَجِّلَ الْمَجِيءَ إلَى الْحَاكِمِ فَيُخْبِرَهُ بِمَا عَلَيْهِ لِيُؤَدِّيَ مَا لَزِمَهُ فَرْضًا فِي ذِمَّتِهِ، لَا فِي بَشَرَتِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا بِلَا خِلَافٍ.
أَمَّا إقَامَتُهُ الْحَدَّ عَلَى نَفْسِهِ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِسَارِقٍ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ، بَلْ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْأُمَّةِ كُلِّهَا عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ كَانَ الْحَدُّ فَرْضًا وَاجِبًا بِنَفْسِ فِعْلِهِ لَمَا حَلَّ لَهُ السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا جَازَ لَهُ تَرْكُ الْإِقْرَارِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، لِيُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ مَا لَزِمَهُ.
وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْأَئِمَّةَ وَوُلَاتَهُمْ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَنْ جَنَاهَا، وَبِيَقِينِ الضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِكُلِّ زِنًا يَزْنِيهِ، وَكُلِّ قَذْفٍ يَقْذِفُهُ، وَكُلِّ شُرْبٍ

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 27
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست