responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 263
الثَّانِي - إنَّا نَسْأَلُكُمْ عَمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، فَفُتِحَ فَمُهُ كَرْهًا بِأَكَالِيبَ وَصُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى سَكِرَ، فَإِنَّ هَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَلَا فِي أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ عِنْدَكُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ مَنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا تُلْزِمُوا هَذَا الْمُكْرَهَ شَيْئًا مِمَّا قَالَ فِي ذَلِكَ السُّكْرِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ. وَالثَّالِثُ - إنَّا نَسْأَلُكُمْ عَمَّنْ شَرِبَ الْبَلَاذِرَ فَجُنَّ، أَوْ تَزَيَّدَ فَقُطِعَ عَصَبُ سَاقَيْهِ فَأُقْعِدَ، أَيَكُونُ لِذَلِكَ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الْمَجَانِينَ فِي سُقُوطِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ عَنْهُ، أَوْ تَكُونُ الْأَحْكَامُ لَازِمَةً لَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ وَهَلْ يَكُونُ لِلَّذِي أَبْطَلَ سَاقَيْهِ عَمْدًا أَوْ أَشَرًا وَمَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمُ الْمُقْعَدِ فِي الصَّلَاةِ وَسُقُوطِ الْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ أَمْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ إدْخَالِهِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ - بِلَا خِلَافٍ - إنَّ لَهُمَا حُكْمَ سَائِرِ الْمَجَانِينَ، وَسَائِرِ الْقَاعِدِينَ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِأَنَّ السَّكْرَانَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: هَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدٌ لِآبَائِي - وَهُوَ سَكْرَانُ - فَلَمْ يُعَنِّفْهُ عَلَى ذَلِكَ» وَلَوْ قَالَهَا صَحِيحًا لَكَفَرَ بِذَلِكَ، وَحَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا ذَهَبَ تَمْيِيزُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - لَا فِي الْقَذْفِ وَلَا فِي غَيْرِهِ -؛ لِأَنَّهُ مَجْنُونٌ لَا عَقْلَ لَهُ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَإِذَا افْتَرَى جُلِدَ ثَمَانِينَ؟ قُلْنَا: حَاشَى لِلَّهِ أَنْ يَقُولَ صَاحِبٌ هَذَا الْكَلَامَ الْفَاسِدَ؟ هُمْ وَاَللَّهِ، أَجَلُّ، وَأَعْقَلُ، وَأَعْلَمُ، مِنْ أَنْ يَقُولُوا هَذَا السُّخْفَ الْبَاطِلَ، وَيَكْفِي مِنْهُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ هَذَى فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَفَرَ، أَوْ قَذَفَ، فَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَأَحْضَرُ مُبْطِلٍ لِحُكْمِهِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا. وَسَنَتَكَلَّمُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي إبْطَالِ هَذَا الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ إسْنَادِهِ، وَمِنْ تَخَاذُلِهِ وَفَسَادِهِ فِي كَلَامِنَا فِي " حَدِّ الْخَمْرِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قَالُوا: وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ، وَلَعَلَّهُ تَسَاكَرَ؟

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 263
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست