responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 256
وَإِنْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ فَالْعَفْوُ جَائِزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي حَقِّهِ - أَرَادَ سَتْرًا أَوْ لَمْ يُرِدْ - وَيُقَالُ لِمَنْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ الظَّاهِرَ الْخَطَأَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ عَفَا عَنْ الزَّانِي بِأَمَتِهِ - وَهُوَ يُرِيدُ تَسَتُّرًا عَلَى نَفْسِهِ خَوْفَ أَنْ يُقِيمَ الْوَاطِئُ لَهَا بَيِّنَةً بِأَنَّهَا لَهُ غَصَبَهَا مِنْهُ الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ الْآنَ؟ وَبَيْنَ مَنْ عَفَا عَنْ سَارِقِ مَتَاعِهِ وَهُوَ يُرِيدُ سَتْرًا عَلَى نَفْسِهِ خَوْفَ أَنْ يُقِيمَ الَّذِي سَرَقَهُ مِنْهُ بَيِّنَةَ عَدْلٍ أَنَّ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ سَرَقَهُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِ هَذَا الَّذِي سَرَقَهُ آخَرُ، فَهَلْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَرْقٌ هَذَا مَا لَا يُعْرَفُ أَصْلًا، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً، لِتَنَاقُضِهِ، وَلِتَعَرِّيهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: فَوَجَدْنَاهُ قَدْ تَنَاقَضَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُجِزْ الْعَفْوَ عَنْهُ أَصْلًا، فَأَصَابَ فِي ذَلِكَ - ثُمَّ تَنَاقَضَ مُنَاقَضَةً ظَاهِرَةً فَقَالَ: لَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ إلَّا أَنْ يُطَالِبَهُ الْمَقْذُوفُ، فَجَعَلَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ حُقُوقِ الْمَقْذُوفِ، وَأَسْقَطَهُ بِأَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ ظَاهِرٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ - وَقَدْ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَمَرَ بِالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلَيْنِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَمْ يُشَاوِرْ عَائِشَةَ أُمَّنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنْ تَعْفُوَ أَمْ لَا؟ فَلَوْ كَانَ لَهَا فِي ذَلِكَ حَقٌّ لَمَا عَطَّلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ أَرْحَمُ النَّاسِ، وَأَكْثَرُهُمْ حَضًّا عَلَى الْعَفْوِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْعَفْوُ - فَصَحَّ أَنَّ الْحَدَّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا مَدْخَلَ لِلْمَقْذُوفِ فِيهِ أَصْلًا وَلَا عَفْوَ لَهُ عَنْهُ.
وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى تَسْمِيَةِ الْجَلْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْقَذْفِ حَدًّا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنَّ لِإِنْسَانٍ حُكْمًا فِي إسْقَاطِ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى - فَصَحَّ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْعَفْوِ فِيهِ. وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ لَكَانَ الْعَفْوُ الْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ لَا

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 256
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست